فرض الأمر والنهي والحال هذه لكونه مفسدة ولهذا متى أمنا منهم الأمرين وجب الانكار عليهم وإن ظننا ارتفاع التأثير، فواضح أن قبح الانكار عليهم إنما كان للمفسدة لا لارتفاع الظن بالتأثير.
واشترطنا عدم المفسدة لعلمنا بوجوب اجتناب ما أثر وقوع قبيح أو كان لطفا فيه لقبحه كالقبيح المتبدأ، فالأمر أو النهي متى كان سببا لوقوع قبيح من المأمور المنهي أو من غيره بالأمر الناهي أو بغيره يزيد على المنكر أو ينقص لولاه لم يقع يجب الحكم بقبحه ووجوب اجتنابه لأنه لا يجوز عقلا ولا سمعا من المكلف أن يختار القبيح ليرتفع من غيره.
وإذا تكاملت هذه الشروط ففرضهما على الكفاية إذا قام به بعض من تعين عليه سقط عن الباقين لأن الغرض منهما وقوع الحسن وارتفاع القبيح، فإذا حصل المقصود ببعض من تعين عليه لم يكن لتكليف الباقين وجه وإن لم يقم به أحد فكل مخاطب به ومستحق لذم الإخلال وعقابه.
والواجب من ذلك ما يغلب في الظن حصول الواجب وارتفاع القبيح معه، فإن ظن مكلفة أن الدعوة والتذكار والتنبيه على قبح الفعل والإخلال وعظيم المستحق بهما كاف اقتصر عليه، فإن أثر حصول المقصود وإلا انتقل إلى اللعن والتغليظ في الزجر والتهديد، فإن أثر وإلا انتقل إلى الضرب والإيلام وإلى أن يقع الواجب ويرتفع القبيح.
فإن غلب في الظن ابتداءا عدم تأثير القول ابتدأ بما يظن كونه مؤثرا من الفعل وما زاد عليه حتى يحصل المقصود من وقوع الواجب وارتفاع القبيح، فإن أدى ذلك إلى فساد عضو أو تلف نفس فلا ضمان على المنكر.
وليس لأحد أن يقول: أي فائدة في وقوع الحسن وارتفاع القبيح عن إلجاء منافاته للتكليف؟ لأن في ذلك وجوها حكمية:
منها كونه لطفا للأمر الناهي بغير شبهة.
ومنها أنه ليس كلما يقع من حسن عند الأمر وارتفع من قبيح عند النهي يحصل عن إلجاء.