الشرط الثالث: الاختيار - قوله (قدس سره): (ومن شروط المتعاقدين الاختيار... الخ) (1).
اعلم أن الشئ إنما تتعلق به الإرادة المحركة للعضلات، إذا كان فيه جهة ملائمة لقوة من القوى، فينقدح بسببها الشوق في النفس، فيتأكد إلى أن يصير علة تامة لحركة العضلات، وهذه الملائمة ربما تكون بالإضافة إلى القوى الطبيعية كقوة الباصرة في المبصرات، وقوة السامعة للنغمات، وقوة الذوق في المذوقات الطيبة وهكذا، وربما تكون بالإضافة إلى القوة العاقلة، وربما يجتمع فيه جهتان من الملائمة الطبيعية والعقلية، كما أنه ربما تلائم القوة الطبيعية دون العقلية كشرب السكنجبين للمريض، فإنه يلائم القوة الذوقية وينافر القوة العاقلة، وربما يلائم القوة العاقلة وينافر القوة الطبيعية كشرب الدواء، فإنه يلائم القوة العاقلة من حيث كونه دافعا للمرض، وينافر القوة الذوقية لمرورتها، فإذا اشتد الشوق العقلي وغلب على الكراهة الذوقية فلا محالة يشربه، وإلا فيتركه، فما من فعل إرادي إلا ويصدر إما عن شوق طبعي أو عن شوق عقلي، وليس الطيب والرضا ما وراء الإرادة ومباديها، فالطيب طبعي تارة وعقلي أخرى، فالفعل الصادر عن اكراه صادر عن طيب عقلي غالب على الكراهة الطبيعية وإلا لما صدر.
ثم إنه من الواضح أن مناط صحة المعاملات لا ينحصر في الطيب الطبعي، ضرورة أن البيع الذي دعت إليه الحاجة الضرورية صحيح، وإن كان مكروها طبعا، بل ولو كان لدفع مال أكره عليه، فإنه لا شبهة في صحة البيع إذا كان لدفع ضرر الغير بدفع الثمن الذي أكره