لمشروعيته، بخلاف الولاية بالمعنى الثاني فإن موردها التصرف الجائز في نفسه، غاية الأمر أن إذن الإمام (عليه السلام) له دخل في وقوعه على الوجه المطلوب، فلا محالة يجب اثبات مشروعيته من دليل آخر غير دليل الولاية في الإمام (عليه السلام)، وغير دليل النيابة في الفقيه.
فمثل الحدود مما ثبت بحسب ظاهر الكتاب على عموم المكلفين بقوله تعالى * (فاجلدوهما) * (1) في الزاني وبقوله تعالى * (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * (2) غاية الأمر ثبت بدليل آخر رجوع أمرهما إلى الإمام (عليه السلام)، وعليه فلا بد من النظر إلى دليل ذلك التصرف الذي يدعى أنه راجع إلى الإمام (عليه السلام) أو يشك في لزوم إذنه (عليه السلام)، فإن كان يعم جميع المكلفين يعلم أنه على نحو الوجوب الكفائي المشروط بإذن الإمام (عليه السلام) قطعا أو احتمالا، وإلا فيحتمل أن يكون واجبا عينيا على الإمام (عليه السلام) وإن كان له إيجاده مباشرة أو تسبيبا، وحينئذ فلا مانع من قيام الفقيه مقام الإمام (عليه السلام) في ما له وعليه عينا أو بنحو دخل إذنه فيه، نعم إن كان حضوره شرطا في وجوبه كصلاة الجمعة فلا يجديه أدلة النيابة، فإنها لا تحقق الحضور الذي هو شرط الوجوب على المكلفين.
إذا عرفت ذلك فنقول:
أما المقام الأول: فأحسن ما استدل له وجوه:
منها: قوله (عليه السلام) (من روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته حاكما... الخبر) (3).
إما بتقريب: أن المراد بالحاكم ما هو المتعارف من نصب السلطان للحكام الذين يتصدون الأمور العامة المتعلقة بالرعية، وإما بأن يراد منه القاضي نظرا إلى كونه مورد السؤال، والتحاكم هو الترافع إلى القاضي، وقوله (عليه السلام) (فإذا حكم بحكمنا) أي قضى إلى غير ذلك من الشواهد، لا الحاكم بمعنى الوالي والرئيس، إلا أن جملة من الأمور المحتاج إليها - من حفظ مال الغائب والقاصرين وتولي أمورهم بنصب القيم لهم - من لوازم المنصوب قاضيا، وإن كان أجنبيا عن حيثية القضاوة، كما هو المرسوم في الحكومات