كلامه (قدس سره) - من أنه يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر - وإن كان صحيحا في الجملة، إلا أنه لا دخل له بكل رأي ونظر كما لا يخفى على أهل النظر فتبصر.
والثالث منها مدفوع: بوقوع مثل ذلك عن من هو أجل من إسحاق بن يعقوب بمراتب، فهذا أحمد بن إسحاق المعدود من الوكلاء والسفراء والأبواب فقد سأل أبا الحسن الهادي (عليه السلام) وقال: (من أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟ فقال (عليه السلام): العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون) (1) وبالجملة: بمثل هذا ونحوه صار وجوب الرجوع إلى الرواة الثقات من بديهيات الإسلام، وحيث وقع السؤال من إسحاق بن يعقوب في زمان الغيبة كلية، فلذا أجاب بالرجوع إلى رواة الأحاديث دون شخص خاص من الثقات فتدبر.
وربما يستدل لعموم ولاية الفقيه بالمعنى الثاني بوجه عقلي، ومحصله: أن ما ثبت للإمام (عليه السلام) من حيث رياسته الكبرى - وهي الأمور التي يرجع فيها المرئوسون من كل ملة ونحلة إلى رئيسهم إتقانا للنظام - فهي ثابتة للفقيه، إذ فرض هذا الموضوع فرض نصب الرئيس، لئلا يلزم الخلف من ايكال أمره إلى آحاد الناس، فيدور الأمر في الرئيس المنصوب بين أن يكون هو الفقيه أو شخص خاص آخر، والأخير باطل قطعا فتعين الأول.
وفيه: أن الأمور التي يرجع فيها إلى الفقيه ليست دائما أمورا سياسية يحتاج إلى الرئيس، كبيع مال اليتيم وحفظ مال الغائب ونحوه، لوضوح قيام العدل مقام الفقيه عند تعذره مع عدم لزوم المحذور، بل ربما يكون ولاية الفقيه في بعض هذه الأمور مترتبة على ولاية غيره، كولايته على الصغير المرتبة على ولاية الأب والجد ونحوها.
مضافا إلى أن بعض تلك الأمور التي لا بد فيها من الرئيس، فإيكال أمرها إليه من حيث إن نظره مكمل لنقص غيره، ومثل هذا الأمر يتوقف على نظر من كان له بصيرة تامة به فوق أنظار العامة، والفقيه بما هو فقيه أهل النظر في مرحلة الاستنباط دون الأمور المتعلقة بتنظيم البلاد وحفظ الثغور وتدبير شؤون الدفاع والجهاد وأمثال ذلك، فلا معنى لايكال هذه الأمور إلى الفقيه بما هو فقيه، وإنما فوض أمرها إلى الإمام (عليه السلام) لأنه عندنا أعلم الناس