علمي لا كلام فيه، فليس في مورد الانشاء ولا الإخبار أمر قائم بالنفس بنفسه حتى يلزم الكلام النفسي، فالنسبة المعقولة الموافقة للواقع - المقصود باللفظ الحكاية عنها - نسبة صادقة، والنسبة التي فهمها المخاطب وإن كانت غير موافقة للواقع، لكنه لا حكاية عنها باللفظ، ولم يقصد المتكلم اظهارها به كما عرفت سابقا وبقية الكلام في محله.
ثم إنه ربما يجاب بمثل ما ذكر في التورية عما ورد في السب والتبري، بدعوى أن السب حرام ولو لم يقصد معناه، لأن مناطه هو الهتك وهو يحصل بمجرد التلفظ، فلا يجدي التورية.
والجواب: أن اللفظ من حيث ذاته بلا نظر إلى كشفه عن المدلول ليس فيه شئ، ومجرد القصد إلى نفس اللفظ لا يحدث فيه شيئا، بل كونه هتكا وقبيحا باعتبار استعماله في معناه، ولذا لو صدر عن النائم أو غير المميز لم يكن هتكا ولا قبيحا، فإذا لم يستعمل في معناه القبيح لم يتصف بكونه هتكا وقبيحا وإن تخيل المخاطب أنه فاعل القبيح، نظرا إلى أنه لفظ ظاهر بذاته في ما هو قبيح.
ويمكن إبداء الفرق بين الكذب والسب، بأن موافقة النسبة المحكية للواقع وعدمها واقعيان، بخلاف السب فإن مناطه الهتك عند الغير، وظهور اللفظ بذاته - مع عدم قرينة صارفة عما هو ظاهر فيه - يوجب الهتك عند كل من سمعه، ولا واقع له إلا انهتاك الشخص عند الناس.
ثم إن الوجه لعدم الإشارة إلى التورية في الأخبار لعله من أجل أن طبع المتكلم في ابراز مقاصده بذكر اللفظ الظاهر في معناه المرتكز في ذهنه وأذهان المحاورين، ولا يمكنه التورية التي هي على خلاف طبعه إلا بالتروي، وهو في مقام إكراه الظالم على الحلف والسب والتبري عسر جدا، فالشارع من باب المنة منه على المكلفين لم يلزمهم بالتورية لمكان العسر عموما.
- قوله (قدس سره): (بل المعيار في وقوع الضرر اعتقاد المكره... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الضرر إذا كان مترتبا على الامتناع الاعتقادي، فالمكره عليه أيضا هو