شئ عن شئ متقوم بالقصد.
ومن الواضح أن المتكلم لم يقصد الحكاية عما فهمه المخاطب حتى تكون كاذبة، بل قصد الحكاية عما يطابق المعنى الذي قد استعمل اللفظ فيه وإن لم ينصب قرينة عليه، فاتضح أنه لم يظهر بكلامه اظهارا قصديا خلاف الواقع، بل ما يطابق الواقع.
وأما دعوى لغوية تحريم الكذب إذا لم تكن التورية كذبا، فمدفوعة بأنه سد لباب الحيل الشرعية المجوزة قطعا، فالاشتراك في الفائدة لا يستلزم الاشتراك في المفسدة، حتى يكون كلاهما محرما.
نعم إذا قلنا بأن جهة حرمته هي جهة قبحه عقلا، وهو الاغراء بالجهل، والتورية إغراء بالجهل كالكذب، فتحرم التورية، لاتحاد الملاك وإن لم تكن كذبا موضوعا.
إلا أنه فيه:
أولا: إن المشهور يقولون بحرمة الكذب بعنوانه، ولو لم يلزم إغراء بالجهل، كما إذا كان المخاطب عالما بكذبه، فإنه لا إغراء بالجهل من قبل هذا الكلام، وقد عرفت أن التورية ليست كذبا بعنوانه.
وثانيا: بأن الاغراء بالجهل لا يستند إلى المتكلم، بل إلى تخيل المخاطب خلاف ما قصده المتكلم من كلامه.
وثالثا: لو استند الاغراء بالجهل إلى المتكلم، فهو باعتبار عدم نصب القرينة على ما قصده من اللفظ، لا باعتبار كلامه المستعمل فيما يطابق الواقع، فليس الكلام الملقى إلى المخاطب كذبا ذاتا ولا ملاكا.
ثم إن التحقيق: أن عنوان الاغراء بالجهل ليس من العناوين القبيحة بالذات، بل باعتبار اندراجه تحت عنوان الظلم (1) على الغير، وإنما يندرج تحت الظلم إذا كان إلقائه في الجهل مفوتا لغرضه، أو موجبا لوقوعه في مفسدة ومضرة، وإلا فمجرد إلقاء المخاطب في الجهل لا موجب لقبحه عقلا.
وأما فيما نحن فيه، فالكذب أو التورية وإن كانا إغراء بالجهل، وكان الاغراء بالجهل لو خلي وطبعه ظلما، إلا أنهما لدفع ظلم الظالم فعلا، فلا يتصف شئ منهما بالظلم حتى