أحدهما: أن الإجازة حيث كانت أحد طرفي العقد، فيعتبر أن يكون إيجاب الأصيل في حال استجماع المجيز لشرائط المتعاقدين، وأن يكون قبول المجيز بإجازته في حال استجماع الموجب الأصيل لشرائط المتعاقدين، نظرا إلى ما ذكرناه في مباحث الصيغة (1) من أن المعاقدة مع الغير تقتضي أن يكون طرفاها أهلا للمعاقدة والمعاهدة، فكما لا يمكن الالتزام الجدي من الميت والمجنون والنائم ونحوه، كذلك الالتزام الجدي مع من هو كالجدار أو كالحمار، وهذا المعنى لا يقتضي إلا استجماع كل من الموجب والقابل للشرائط حال الايجاب والقبول، وحال الايجاب بالإضافة إلى القابل، وحال القبول بالإضافة إلى الموجب.
ثانيهما: بقاء المتعاقدين على تلك الشرائط بين الايجاب والقبول، وهذا هو المراد هنا وفي المبحث المتقدم من مباحث الصيغة، فيعتبر في بقاء الالتزام إلى أن يرتبط بالتزام آخر عدم زواله، إما اختيارا برجوعه عنه أو اضطرارا بموت أو جنون أو نوم أو إغماء مثلا، فلا يجدي عود تلك الشرائط حال القبول، لفرض زوال الالتزام، فلا بد من التزام جديد ليرتبط بالالتزام من الآخر حتى تتحقق المعاقدة المنوطة بارتباط أحد الالتزامين بالآخر.
لكنه قد ذكرنا في محله (2) أن بقاء الشرط بين الايجاب والقبول مما لا يقتضيه حقيقة المعاقدة، وإنما الذي يقتضيه حقيقة الالتزام الجدي استجماع الملتزم لتلك الشرائط حال التزام نفسه، ولو ساعدنا المصنف (قدس سره) على أزيد من ذلك نقول بلزوم كون كل منهما مستجمعا لها حال الالتزام من الآخر، نظرا إلى أن المعاهدة مع الغير - لا مجرد الالتزام للغير - يقتضي طرفا شاعرا يصح منه الالتزام، وأما بقائها بين الالتزامين فلا، إذ لا تزول الالتزامات والعهود بالنوم والاغماء، بل بالموت أيضا، ولا يقاس بفسخ الموجب قبل لحوق القبول حتى يجعل ذلك أصلا لغيره، كما عن المصنف (قدس سره) في محله (3)، لأن الالتزام يزول برفع يد الملتزم عن التزامه قبل تأكده وخروج الأمر من يده، دون إغمائه ونومه بعد التزامه.