والغرر منهي عنه مطلقا، وإما لكون العقد المجاز غرريا من المجيز، وهو منهي عنه، ولو لم يكن الغرر في الإجازة منهيا عنه.
وتحقيق القول في ذلك يبتني على مقدمة: هي أن التوكيل تارة يتعلق بالمبهم المردد، وأخرى بالمجهول، وثالثة بتعميم الوكالة بحيث تسع كل ما يؤدي إليه نظر الوكيل واختياره.
والأول في نفسه غير معقول، إذ المردد بما هو لا ثبوت له ذاتا وحقيقة، ماهية وهوية، فالإذن فيه إذن في أمر غير معقول، فهو غير معقول من العاقل غير الغافل، وعلى فرض المعقولية فهو فيما نحن فيه مفروض العدم، لأن العقد الصادر من الفضول معين لا مردد واقعا، فإجازته إجازة المجهول لا إجازة المردد.
والثاني وهو التوكيل في المجهول، كأن يوكله في البيع بما لا يعلم الموكل والوكيل أنه فضة أو ذهب مثلا، فمثله غير نافذ من الموكل بالمباشرة فكذا بالتسبيب، ومثله إجازة بيع المجهول بهذا الوجه.
والثالث ما إذا فوض الأمر إلى الوكيل وجعله مستقلا في العمل بأي وجه يختاره، فكما أنه للموكل التصريح ببيع ماله بأدون من ثمن المثل، أو بهبة ماله، وليس التوكيل غرريا ولا المعاملة غررية، لا من حيث مباشرة الوكيل ولا من حيث تسبيب الموكل، فكذلك له هذا المعنى بالتعميم، فالمعاملة الصادرة من الوكيل إذا كانت في نفسها واجدة للشرائط تكون منتسبة إلى الموكل، فهذه المعاملة الصحيحة تسبيبية من الموكل وإن جهل الموكل بما فعله الوكيل، ومثل هذا التعميم هنا - مع كون المجاز عقدا خاصا - وإن كان معقولا نظرا إلى أنه يرضى بأي وجه أوقعه الفضول، بيعا كان أو هبة بثمن المثل أو بأنقص. إلا أن الفرق بين التوكيل والإجازة، أن الإقدام على المعاملة عمل الوكيل المستقل في أمرها، فيعتبر أن يكون عقلائيا غير سفهائي من حيث كونها غررية خطرية، ولا إقدام على المعاملة من الموكل كي يعتبر علمه لئلا يلزم الغرر، فلا غرر في التوكيل، لا من حيث إن التوكيل عمل يعتبر أن لا يكون غرريا، ولا من حيث إن المعاملة المنتسبة إليه غررية.
بخلاف الإجازة، فإن الفضول أجنبي عن المال وعن التصرف في المال، فلا معنى لغرره وخطره، بل الإقدام على المعاملة من المجيز، فهو بإجازته مقدم على المعاملة، فهذا العقد الاجازي كعقده المباشري، فلا بد من أن يكون هذا الإقدام منه عقلائيا غير سفهائي.
ومما ذكرنا تبين أن الإجازة كالإذن والتوكيل، وأنه لا يختص أحدهما بخصوصية من