المجرمين يوم القيامة: * (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) * (1). فيستظهر من إضافة الشقوة إلى أنفسهم أن شقاء المجرمين كان أمرا نابعا من ذواتهم، ولكنه ظهور بدوي يزال عن الذهن بعد التدقيق في مفاد الآيتين إذ لقائل أن يقول إن في إضافة الشقوة إلى أنفسهم تلويح إلى أن لهم صنعا في شقوتهم من جهة اكتسابهم ذلك بسوء اختيارهم، والدليل على ذلك قولهم: * (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) *. إذ هو وعد منهم بالإتيان بالحسنات بعد الخروج من النار، فلو لم تكن الشقوة مكتسبة لهم بالإرادة والاختيار لم يكن للوعد معنى، لكون حالهم بعد الخروج مساوية لما قبله. وهذا يدل على أن المجرمين كانوا واقفين على أن السعادة والشقاء بأيديهم، فقد اكتسبوا الشقاء بسوء الاختيار. فلما رأوا نتيجة أعمالهم، صاروا يعدونه سبحانه بأنهم إن خرجوا يكتسبون السعادة بصالح أعمالهم.
على أن الاستدلال بكلام المجرمين في يوم القيامة، بكون الشقاء ذاتيا، غير تام جدا، مع دلالة الآيات على أنهم يكذبون يومئذ، وينكرون أشياء مع ظهور الحق ومعاينته، لاستقرار ملكة الكذب والإنكار في نفوسهم. قال تعالى: * (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا) * (2). وقال سبحانه: * (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) * (3). فإذا كان المجرم يكذب على الله سبحانه بهذا النحو، فلا عتب عليه أن يسند ضلالته إلى شقوته تبرئة لنفسه.
ونختم البحث برواية الصدوق في (الأمالي) عن علي (عليه السلام) أنه قال: " حقيقة السعادة أن يختم الرجل عمله بالسعادة، وحقيقة الشقاء أن