ونرى ذلك الشرك في كلام (عمر بن لحي) وهو أول من أدخل الوثنية إلى مكة ونواحيها فقد رأى في سفره إلى البلقاء من أراضي الشام أناسا يعبدون الأوثان وعندما سألهم عند شؤونها قالوا:
" هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطونني منها فأسير بها إلى أرض العرب فيعبدوه ". فاستصحب معه صنما كبيرا باسم " هبل " ووضعه على سطح الكعبة المشرفة ودعى الناس إلى عبادته (1).
وها هنا نكتة يجب التنبيه عليها وهي إنه لا ينبغي لأحد أن يتصور أن الوثنية تعتقد بأن هذه الأصنام الحجرية والخشبية هي ذاتها المتصرفة والمدبرة للكون إذ لا يصدر ذلك عن عاقل، بل كانوا يعتقدون بكونه أصناما للآلهة المدبرة لهذا الكون فوض إليها إدارته. ولما لم تكن هذه الآلهة المزعومة في متناول أيديهم وكانت عبادة الموجود البعيد عن متناول الحس واللمس صعبة لتصور، عمدوا إلى تجسيد تلك الآلهة وتصويرها في أوثان وأصنام ورسوم وأجسام وقوالب من الخشب والحجر، وصاروا يعبدونها عوضا عن عبادة أصحابنا الحقيقيين وهي الآلهة المزعومة.
ثم إن الاعتقاد بربوبية غير الله سبحانه كما يتصور في مسألة التكوين فيعتقد المشرك بكون الملك أو الجن أو غيرهما متصرفا في العالم، فكذلك يتصور في عالم التشريع. فمن أعطى زمام التشريع والتقنين أو الحلال والحرام إلى الإنسان فقد اتخذه ربا لنفسه وصاحبا لها، ولأجل ذلك نرى أن القرآن الكريم يصرح بأن اليهود والنصارى اتخذوا الأحبار والرهبان أربابا لأنفسهم ولم يكن الاعتقاد بربوبيتهم بصورة الاعتقاد بتصرفهم في العالم السفلي وإنما كان يتجلى في اتخاذهم أربابا وأصحابا لأنفسهم في إطار التقنين، فاستحلوا ما أحلوه، وحرموا ما حرموه. يقول سبحانه: * (اتخذوا