من الآيات، فإذ انضم هذا القسم من الآيات إلى القسم الأول الحاصر له بالله سبحانه يفيد أن الحكم الحق لله سبحانه بالأصالة وأولا لا يستقل به أحد غيره، ويوجد لغيره بإذنه وبالعرض ثانيا، ولذلك عد تعالى نفسه أحكم الحاكمين وخيرهم لأنه لازم الأصالة والاستقلال فقال: * (أليس الله بأحكم الحاكمين) * (1) وقال: * (وهو خير الحاكمين) * (2)، وعم الحكم التكويني فلا يوجد على ما أذكر ما يدل على نسبته إلى غيره، وإن كان معاني عامة الصفات والأفعال المنسوبة إليه تعالى لا تأبى عن الانتساب إلى غيره انتسابا إذنيا، كالعلم والقدرة والحياة والخلق والرزق، والإحياء والمشيئة التي انتسبت إلى غيره سبحانه في آيات كثيرة، ولعل عدم نسبة الحكم التكويني إلى غيره سبحانه لحرمة جانبه تعالى، لإشعار هذا الوصف بنوع من الاستقلال الذي لا مسوغ لنسبته إلى هذه الأسباب المتوسطة. ونظيرها في ذلك ألفاظ البديع والبارئ والفاطر وألفاظ أخرى تجري مجراها في الإشعار بمعاني تنبئ عن نوع من الاختصاص، وإنما كف عن استعمالها في غير مورده تعالى رعاية لحرمة ساحة الربوبية (3).
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة وهي إن الحاكمية فرع الولاية على المحكوم، ولا ولاية إلا لله سبحانه. فلا حكومة إلا له. غير أن تجسيد الحكومة في المجتمع، بمعنى الإمرة عليه، ليس من شؤونه سبحانه، بل يقوم به المأذون من جانبه إما بالاسم كما مر في حق داود، أو بالوصف والعنوان كما هو الحال في حق العلماء والفقهاء الذين لهم الحكم والإمرة عند غيبة النبي أو الإمام المنصوص عليه بالاسم.
وعلى هذا فالحكومات القائمة في المجتمعات يجب أن تكون شرعيتها مستمدة من ولايته سبحانه وحكمه بوجه من الوجوه، وإذا كانت علاقتها