يؤفكون) * (1).
وهذه الآيات تعرفنا موقف الوثنيين في مسألة التوحيد في الخالقية، وأن تلك العقيدة كانت عامة للمشركين أو لأكثرهم في الجزيرة العربية.
نعم، كان الاعتقاد بوجود مبدأين وخالقين لهذا العالم، أحدهما:
" يزدان " والآخر " أهريمن " أمرا مشهورا بين " الزرادشتيين " ولكن عقيدتهم تحيط بها هالة من الابهام والغموض، كعقيدة البراهمة والبوذيين والهندوكيين في هذا المجال والبحث فيه خارج عن إطار الموضوع وقد تقدم شئ عنهم آنفا.
وأما مسألة التوحيد في التدبير فلم تكن أمرا مسلما عندهم، بل الشرك في التدبير كان شائعا بين الوثنيين، حيث كانوا يقولون بأنه ليس للكون سوى خالق واحد وهو موجد السماوات والأرض وخالقهما ولكنه بعد أن خلق الكون فوض تدبير بعض أموره إلى واحد أو أكثر من خيار خلقه، واعتزل هو أمر التدبير. وهذه المخلوقات المفوض إليها أمر التدبير كانت في نظر هؤلاء عبارة عن " الملائكة " و " الجن " و " الكواكب " و " الأرواح المقدسة " و...
التي تكفلت كل واحدة منها تدبير جانب من جوانب الكون على حد زعمهم.
إن عبدة الكواكب والنجوم في عصر بطل التوحيد " إبراهيم " كانوا من المشركين في أمر التدبير، حيث كانوا يعتقدون بأن الأجرام العلوية هي المتصرفة في النظام السفلي من العالم وأن أمر تدبير الكون ومنه الإنسان، فوض إليها فهي أرباب لهذا العالم ومدبرات له لا خالقات له (2). ولأجل ذلك نجد أن إبراهيم يرد عليهم بإبطال ربوبيتها عن طريق الإشارة إلى أفولها وغروبها ويقول: إذا كانت هذه الأجرام حسب زعمكم هي المدبرات