الموجودات الممكنة المادية تتوقف في وجودها على شروط لا تتحقق بدونها، كالإنسان الذي هو ابن فلان. فإن لوجود الابن توقفا على وجود الوالدين وعلى شرائط أخرى كثيرة زمانية ومكانية، فمن الضروري أن ما يتوقف عليه وجود الشئ يعد جزءا من العلة التامة. وعلى هذا، لا يصح عده سبحانه علة تامة وحدها لهذه الظاهرة أي كون زيد ابن فلان.
نعم هو بالنسبة إلى مجموع العالم علة تامة، إذ لا يتوقف على شئ غيره سبحانه وأما سائر أجزاء العالم كوجود زيد فهو سبحانه جزء العلة التامة ضرورة توقفه على ما هو قبله من العلل وما هو معه من الشرائط والمعدات (1).
والذي يوضح ذلك أن هناك أفعالا لا يمكن إسنادها إلى الله سبحانه مباشرة كأكل زيد وشربه ومشيه وقيامه وقعوده، فإن تحقق هذه العناوين يتوقف على وجود زيد وأعضائه من فمه ولسانه ورجليه وعضلاته فإن لها دخالة في تحقق هذه الأفعال، فكيف يمكن إنكار دخالتها؟ فكيف الأفعال لا تستند إلا إلى الموجود المادي مباشرة، وإلى الواجب سبحانه على وجه التسبيب والسببية الطولية (2).
فمن وقف على مجموعة كبيرة من الآيات في هذا المجال لم يشك في أن القرآن يعترف بناموس السببية بين الأشياء وآثارها وإنهاء كل الكون إلى ذاته تبارك وتعالى. فلا يصح عندئذ حصر الخالقية والعلية الأعم من الأصلية والتبعية بالله سبحانه، وتصوير غيره من الأسباب أمورا عاطلة غير مفيدة لشئ. وجعل القدرة الحادثة في العبد شيئا مقترنا بإيجاده سبحانه فعل العبد. وعلى ذلك فيجب تفسير حصر الخالقية وتوحيدها على وجه يتناسب مع جميع الآيات الماضية التي تدل على الحصر وأنه لا خالق غيره، وفي الوقت نفسه يعترف بتأثير العلل وإيجادها. وهذه هي النظرية التي نتلوها عليك بإذنه سبحانه.