حافزا على التحقيق وإحساسا بأن العالم غير منفك عن السنن والنظم، وعليه أن يتفحص عنها.
وهذا بخلاف الباحث المعتنق للنظرية الثانية، لأن تحقق الصدفة أو التضاد السائد بين أجزاء المادة، لا يورث العلم بحتمية حدوث سنن وأنظمة في داخل المادة حتى يبحث عنها الإنسان فلا يصح للباحث عن سنن العالم والمستطلع للحقائق السائدة فيه، أن يتكئ على منصة الدراسة إلا أن يكون معتقدا بالنظرية الأولى دون النظرية الثانية.
وهذا ما ادعيناه في صدر البحث من أن العقيدة الدينية خلاقة للعلوم وباعثة للتحقيق.
وقد خرجنا بهذه النتيجة وهي إن الدين بمعنى الاعتقاد بكون العالم مخلوقا لعلم وقدرة، عامل كبير في تقدم العلوم البشرية، وإنه يثير روح التعمق والتدبر في الإنسان المحقق، في حين أن اللا دينية والاعتقاد بأصالة المادة وعدم اتصالها بمبدأ أقوى لا يثير شوق البحث والتحقيق.
نعم، هاهنا سؤال ربما يخالج ذهن القارئ وهو إن هناك عدة فرق من دعاة المادية، من المكتشفين لأسرار الطبيعية ونظمها، فلو كان الالحاد يعرقل خطى التحقيق والتقدم، فكيف وصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه من الكشف والتحقيق؟
الجواب: إن هؤلاء وإن كانوا يحملون شعار الالحاد، لكنها شعارات على ألسنتهم، وأما قلوبهم فتخفق بخلاف ذلك، بمعنى أنهم يعتقدون في صميم قلوبهم بخضوع العالم لقوة كبرى أجرت فيه السنن والنظم، التي هم بصدد كشفها والتعرف عليها، ولولا ذاك الإيمان والاعتقاد بخضوع العالم لتلك القوة، لما حصل لهم الإيمان بأن المادة سنن ونظم، أرضها وسماءها، قريبها وبعيدها، حتى النجوم والمجرات المتوغلة في أعماق