أقول إن الدين هو السلوى الكبرى التي تجعل الإنسان جبلا راسخا تجاه الحوادث المؤلمة غير متزعزع في البلايا ولا متزلزل عن الكوارث، لماذا؟ لوجهين:
أما أولا فإنه يعتقد أن ما يجري في الكون من خير وشر، فهو من مظاهر مشيئة الخالق الحكيم الذي لا يصدر منه شئ إلا عن حكمة ولا يفعل إلا عن مصلحة، فهذه الكوارث، مرة ظواهرها، حلوة بواطنها، وإن كان الإنسان لا يشعر بذلك في ظرف المصيبة والابتلاء، ولكنه يقف عليه بعد كشف الغطاء وانجلاء الحقائق.
وثانيا إن الإنسان إذا صبر تجاه المصائب واستقبلها بصدر رحب ووجه مشرق يكون مأجورا عنده سبحانه بصبره وثباته واستقامته، ورضاه بتقديره وقضائه قال سبحانه: * (وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) * (1). فعند ذلك يتجلى الدين كدواء يسكن الآلام ويخفف المصائب، بل ربما يستقبلها ببشاشة وانشراح، غير أن المادي في ذاك المجال فاقد البلسم لجراحات حياته، وفاقد الدواء لاضطراباته، لأنه لا يعتقد بأن وراء المادة عالما يحشر فيه الإنسان، ويثاب بصبره، ويؤجر بأعماله فهو يعتقد بأن دائرة الكون محدودة بالمادة، يبدأ منها وينتهي إليها، فلا مناص منها إلا إليها، وهي صماء وعمياء لا تقدر على تسكين جروح الإنسان وترفيه روحه، فلأجل ذلك نرى الانتحار شائعا بين تلك الزمرة، عند المصائب، وأما الزمرة المؤمنة بالحياة الأخروية، فيستقلون آلام المصائب عند حلولها ويسلون أنفسهم بالصبر والثواب على خلاف الماديين حيث يستكثرونها ويستسلمون أمامها.