قال ابن أبي الحديد: " هذان الركنان هما ركنا علم الكلام وهما شعار أصحابنا المعتزلة لنفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري وأصحابه، ولتنزيههم الباري سبحانه عن فعل القبيح، ومعنى قوله: " أن لا تتوهمه ":
أن لا تتوهمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئا لكل الجهات، كما ذهب إليه قوم، أو نورا من الأنوار، أو قوة سارية في جميع العالم كما قاله قوم، أو من جنس الأعراض التي تحل الحال أو تحل المحل وليس بعرض، كما قاله النصارى، أو تحله المعاني الأعراض فمتى توهم على شئ من هذا فقد خولف التوحيد.
وأما الركن الثاني فهو " أن لا تتهمه ": أي أن لا تتهمه في أنه أجبرك على القبيح ويعاقبك عليه، حاشاه من ذلك ولا تتهمه في أنه مكن الكذابين من المعجزات فأضل بهم الناس، ولا تتهمه في أنه كلفك ما لا تطيقه وغير ذلك من مسائل العدل التي تذكرها أصحابنا مفصلة في كتبهم، كالعوض عن الألم فإنه لا بد منه، والثواب على فعل الواجب فإنه لا بد منه، وصدق وعده ووعيده فإنه لا بد منه.
وجملة الأمر أن مذهب أصحابنا في العدل والتوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين (عليه السلام). وهذا الموضع من المواضع التي قد صرح فيها بمذهب أصابنا بعينه، وفي فرش كلامه من هذا النمط ما لا يحصى " (1).
2 - روى (الصدوق) عن الصادق (عليه السلام) أن رجلا قال له:
إن أساس الدين التوحيد والعدل، وعلمه كثير، ولا بد لعاقل منه، فاذكر ما يسهل الوقوف عليه ويتهيأ حفظه. فقال (عليه السلام): " أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك، وأما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه " (2).