نعم، إن التعمق في هذه الأبحاث ليس متاحا لكل أحد، وليس ميسرا لكل قاصد، فهي من قبيل السهل الممتنع، وذلك لأن الإنسان بسبب أنسه بالأمور الحسية يصعب عليه تحرير فكره عن كل ما تفرضه عليه ظروفه حتى يتهيأ للتفكر فيما وراء الطبيعة بفكر متحرر من أغلال المادية.
وهناك وجه آخر لمحدودية الإنسان عن درك عميق المعارف الإلهية وهو أن أدوات الإنسان للتعبير محدودة بألفاظ وكلمات لم توضع إلا لبيان المعاني الحسية المحدودة فلأجل ذلك لا مناص له عن التعبير عن الحقائق الكونية العليا المطلقة عن الزمان والمكان بتلك الألفاظ الضيقة، وإلى ذلك يشير بعض العرفاء بقوله:
ألا إن ثوبا خيط من نسج تسعة * وعشرين حرفا عن معانيه قاصر والشيخ الرئيس ابن سينا يوصي بأن لا تطرح المسائل الإلهية العويصة إلا على أهلها ويقول في إشاراته في خاتمة الكتاب: " أيها الأخ إني قد مخضت في هذه الإشارات عن زبدة الحق وألقمتك قفي الحكم في لطائف، فضنه عن الجاهلين والمبتذلين ومن لم يرزق الفطنة الوقادة، والدربة والعادة، وكان صفاه مع الفاغة، أو كان من ملحدة هؤلاء الفلاسفة ومن همجهم. فإن وجدت من تثق بنقاء سريرته، وبتوقفه عما يتسرع إليه الوسواس، وبنظره إلى الحق بين الرضا والصدق، فاعطه ما يسألك منه مدرجا مجزءا مفرقا تستفرس مما تسلفه لما تستقبله، وعاهده بالله وبأيمان لا مخارج لها ليجري في ما يأتيه مجراك، سنأسيا بك، إن أذعت هذا العلم أو أضعته فالله بيني وبينك وكفى بالله وكيلا " (1).
ولسنا هنا مدعين أن هذه المباحث مباحث عامة يجوز لكل أحد