ويوجب يأسه، ومهما عرف من العبد هذه العادة، كف عنه خوفا من أن يزيد في حسناته.
ولا ريب في أن الاشتغال بالمجادلة والتكذيب وإطالتهما يمنع الحضور ويصد عن التوجه إلى الله، وهو نقصان لأهل السلوك، فالصواب لكل مؤمن أن يقرر دائما في عقد ضميره كراهية الرياء وتكذيب الشيطان، ويعزم أبدا على أنه إذا تهجم عليه الشيطان وعارضه بنزعات الرياء زاد ما هو فيه مما يغيظ الشيطان ويوجب يأسه، فإذا حدثت خطرات الشيطان في الأثناء، اكتفى بما عقد عليه أولا مستصحبا له، وزاد في الإخلاص وما يؤدي إليه فإن ذلك يوجب قنوط الشيطان. وإذا عرف العبد بهذه الصفة لا يتعرض له لئلا يزيد فيما يغيظه وينبغي لكل مؤمن أن يكون هذا ديدنه في جميع الصفات والملكات، مثلا إذا حصل اليقين والعقيدة الجازمة بالمبدأ وصفاته الكمالية، وقرر ذلك في نفسه وأثبت في قلبه كراهية الشك وخطور الوساوس، في أثناء عبادة أو غيرها، ينبغي ألا يشتغل بطول المجاهدة مع الشيطان، ويكفي بما تقرر في قلبه من اليقين وكراهية الشك والوسوسة، معتقدا بأن هذه الوساوس لا أصل لها ولا عبرة بها. وكذا إذا قرر في نفسه النصيحة للمسلمين وكراهية الحسد، فإذا أوقع الشيطان نزعات الحسد في قلبه، ينبغي ألا يلتفت إليها، ويستصحب ما كان عليه من النصيحة والكراهة، وقس عليها سائر الصفات والأخلاق.
ثم مثل من يشتغل بطول المجاهدة مع الشيطان مثل من قصد مجلسا من مجالس العلم والوعظ لينال فائدة وهداية فعارضه ضال فاسق ودعاه إلى مجلس فسق فأبى وأنكر عليه، فإذا عرف الضال أباه، اشتغل بالمجادلة معه، وهو أيضا يساعده على ذلك ليرد ضلاله، ظانا أن ذلك مصاحبته، مع أنه غرض الضال إذ قصده من المجادلة أن يؤخره عن نيل مقصوده. ومثل من يشتغل بالتكذيب مثل من لا يشتغل بالقتال مع الضال بعد دعوته إلى مجلس الضلال بل وقف بقدر أن يدفع في منحره، وذهب مستعجلا، ففرح الضال بقدر توقفه للدفع. ومثل من يكتفي بعقد الضمير مثل من لم يلتفت إلى الضال بعد دعوته أصلا، واستمر على ما كان عليه من المشي. ومثل من يزيد فيما كان له من الإخلاص أو ما يؤدي إليه مثل من يزيد في عجلته بعد دعوته ليغيظه. ولا ريب في أن الضال