وإن كان من الأغراض الدنيوية الراجعة إلى حب جاه أو طمع مال فهو مبطل للعمل والثواب، سواء كان الباعث الديني أضعف من الباعث النفسي أو مساويا له أو أقوى منه، لظواهر الأخبار المتقدمة. ومع إبطاله العمل، يترتب عليه عقاب على حدة أيضا، إذ الرياء في العبادة في نفسه منهي عنه محرم، سواء كان هو الباعث وحده أو انضم إلى نية التقرب انضماما مستقلا أو غير مستقل، فمن ارتكبه كان آثما لأجل الرياء في نفسه وتاركا للعبادة من حيث دخول الرياء فيها، فإن كانت واجبة ترتب إثم آخر على تركها إلا أن يسقطه بقضائها، وإن كانت مستحبة لم يلزم قضاؤها ولم يترتب إثم على تركها، بل كان إثمها منحصرا بما يترتب على الرياء في نفسه. ثم الإثم المترتب على الرياء المحض أشد وأغلظ من المترتب على الرياء الممزوج بالقربة ويتزايد إثم الممزوج بحسب ازدياد قوة باعث الرياء بالنظر إلى باعث الإخلاص وينقص بحسب نقصان ذلك.
وعلى ما ذكرناه، فما انعقد عليه إجماع الأئمة من أن من خرج حاجا ومعه تجارة صح حجه وأثيب عليه، مع أن سفره ليس خالصا للحج، فالوجه فيه أن التجارة تعرض للرزق، وهو أيضا عبادة. وقد تقدم أن نية الخيرات المتعددة موجبة لتضاعف الثواب بحسبها، فلا حاجة إلى ما قيل:
" إن التاجر إنما يثاب على أعمال الحج عند انتهائه إلى مكة وتجارته غير موقوفة عليه فهو خالص، وإنما المشترك طول المسافة، ولا ثواب فيه مهما قصد تجارة "، ولا إلى ما قيل: " مهما كان الحج هو المحرك الأصلي، وكان غرض التجارة كالمعين والتابع، فلا ينفك نفس السفر عن الثواب ".
نعم، إذا كانت التجارة للجمع والادخار من غير حاجة، فلا يبعد أن يقال ذلك، وكذا إذا انضم إلى قصد الحج قصد التفرج ودفع التوحش عن الأهل انضماما غير مستقل، ومثله إذا انضم إلى نية الوضوء التبرد، وإلى نية الصوم قصد الحمية، وإلى نية العتق الخلاص من المؤنة وسوء الخلق، إلى غير ذلك، إذا لم تكن المنضمات مستقلة.
ومن العلماء من قال: " إن الباعثين إن تساويا تساقطا، وصار العمل لا له ولا عليه، وإن كان باعث الرياء أقوى لم يكن العمل نافعا، بل كان