الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فكل عمل تدخله شوائب الرياء فهو فاسد، سواء وقع سرا أو علانية، وكل عمل كان خالصا لله وأمن صاحبه من دخول الرياء فيه فلا بأس بإسراره ولا بإظهاره. ثم لو تعلق قصد صحيح بإظهار نفس العمل أو التحدث به بعد الفراغ عنه، كترغيب الناس في الخير وتنبيههم على الاقتداء به فيه، كان إظهاره أفضل من أسراره بشرط عدم اشتماله على رياء أو فساد آخر، كإهانة الفقير في التصدق، ولو اشتمل على شئ من ذلك، كان أسراره أفضل من إعلانه، وبذلك يجمع بين الأقوال والأخبار.
والحاصل: أنه متى انفك القلب عن شوائب الرياء، بحيث يتم الإخلاص على وجه واحد في الحالتين، فما فيه القدوة وهو العلانية أفضل ومهما حصلت فيه شوائب الرياء لم ينفعه اقتداء غيره، لكونه مهلكا له، فالسر أفضل منه. فعلى من يظهر العمل أن يعلم أو يظن أنه يقتدى به، وأن يراقب قلبه لئلا يكون فيه حب الرياء الخفي، فربما أظهر العمل لعذر الاقتداء وكان في نفسه قصد التجمل بالعمل وكونه مقتدى به، وهذا حال كل من يظهر العمل، إلا من أيده الله بقوة النفس وخلوص النية، فلا ينبغي لضعيف النفس أن يخدع نفسه فيضل ويضل ويهلك ويهلك من حيث لا يشعر. فإن الضعيف مثاله مثال الغريق الذي يعلم سباحة ضعيفة، فينظر إلى جماعة من الغرقى فيرحمهم، وأقبل عليهم لينجيهم، فتشبثوا به، وهلك وهلكوا. وهذه المواضع مزال أقدام العلماء والعباد، فإنهم يتشبهون بالأقوياء في الإظهار ولا تقوى قلوبهم على الإخلاص، فتحبط أجورهم بالرياء. ودرك ذلك غامض جدا لا يبلغه إلا الخائضون في غمرات علم الأخلاق. ويعرف الخلوص في ذلك بألا يتفاوت حاله باقتداء الناس به وبغيره من أقرانه وأمثاله، فإن كان قلبه أميل إلى أن يكون هو المقتدى به، فإظهاره العمل غير خال عن شوائب الرياء.
إيقاظ لما عرفت أن المناط في صحة الأعمال وفسادها هو القصد والنية، تعلم أن كل عمل لم يكن خالصا لوجه الله وأريد به غيره سبحانه ينبغي أن يترك