شر من النميمة التي هي النقل من أحد الجانبين. وبالجملة: هو بجميع أقسامه مذموم محرم، قال رسول الله (ص): " من كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة ". وقال (ص): " تجدون من شر عبد الله يوم القيامة ذا الوجهين: الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ".
وقال (ص): " يجيئ يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه وآخر من قدامه يلتهبان نارا حتى يلتهبان خده، ثم يقال: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين وذا لسانين، يعرف بذلك يوم القيامة ". وورد في التوراة:
" بطلت الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين، يهلك الله يوم القيامة كل شفتين مختلفتين " وعن علي بن سباط، عن عبد الرحمن بن حماد، رفعه قال: قال الله تبارك وتعالى لعيسى: " يا عيسى، ليكن لسانك في السر والعلانية لسانا واحد، وكذلك قلبك، إني أحذرك نفسك، وكفى بي خبيرا! لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا سيفان غمد واحد، ولا قلبان في صدر واحد، وكذلك الأذهان! ". وقال الباقر (ع): " لبئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا، إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله ".
ثم لا يخفى أن الدخول على المتعاديين والمجاملة مع كل منهما قولا وفعلا لا يوجب كونه منافقا ولا ذا لسانين إذا كان صادقا، إذ الواحد قد يصادق متعاديين، ولكن صداقة ضعيفة، إذ الصداقة التامة تقتضي معاداة الأعداء وكذا من ابتلى بذي شر يخاف شره، يجوز أن يجامله ويتقيه ويظهر له في حضوره من المدح والمحبة ما لم يعتقد به قلبه، وهو معنى المداراة، وهو وإن كان نفاقا إلا أنه جائز شرعا للعذر، قال الله سبحانه:
" ادفع بالتي هي أحسن السيئة " (58).
وروي: " أنه استأذن رجل على رسول الله (ص) فقال: إئذنوا له فبئس رجل العشيرة. فلما دخل، ألان له القول، حتى ظن أن له عنده منزلة. فلما خرج، قيل له: لما دخل قلت الذي قلت، ثم ألنت له القول؟!