ربما يتركه الشيطان، (لا) سيما في أثناء العبادة فعارضه بخطرات الرياء ونزعاته، حتى أحدث في قلبه ميلا خفيا إلى الرياء وحبا له. والحق أن ذلك ليس من الرياء المحرم، ولا تفسد به العبادة، مع كونه كارها لهذا الميل والحب وقاهرا على نفسه ماقتا لها في تأثرها وتغيرها عن نزعات الشيطان ومنازعا للشيطان ومجاهدا إياه لدفع خطراته، لأن الله لم يكلف عباده إلا ما يطيقون، وليس في وسعهم منع الشيطان عن نزعاته ولا قمع الطبع حتى لا يميل إلى شهواته، وغاية ما يقدرون عليه أن يقابلوا نزعاته وميل الطبع بالكراهة والقهر على النفس في هذا الميل، مع المجاهدة في دفع ذلك بتذكر المعالجات المقررة لدفع الرياء والوساوس، وإذا فعلوا ذلك أدوا ما يجب عليهم. ويدل على ذلك أيضا ما تقدم من الأخبار الدالة على عدم المؤاخذة بمجرد الوسوسة، وقول النبي (ص): " الحمد لله الذي رد كيد الشيطان إلى الوسوسة ". فوسوسة الشيطان وميل النفس لا يضران مع ردهما بالكراهية والإباء، إذ الوساوس والخواطر والتذكرات والتخيلات المهيجة للرياء من الشيطان، والميل والرغبة بعد تلك الخواطر من النفس، والإباء والكراهة من الإيمان ومن آثار العقل فلا يضر ما من النفس والشيطان إذا قوبل بما من العقل والإيمان. ولذا قال بعض الأكابر: " ما كان من نفسك فكرهته نفسك لنفسك، فلا يضرك ما هو من عدوك، وما كان من نفسك فرضيته نفسك لنفسك فعاتبها عليه ".
ثم الطرق المتصورة في دفع خطرات الرياء في أثناء العبادات مع كراهتها أربع:
الأولى - أن يشتغل بمجادلة الشيطان في رد نزعاته، ويطيل معه الجدال الثانية - أن يقتصر من تكذيب الشيطان ودفعه من غير اشتغال بمجادلته الثالثة - ألا يشتغل بتكذيبه أيضا، بل يكتفي بما قرر في عقد ضميره من كراهة الرياء وكذب الشيطان، فيستمر على ما كان عليه مستصحبا له غير مشتغل بالمخاصمة والتكذيب.
الرابعة - أن يزيد فيما هو من الإخلاص والاشتغال بالله، أو ما يؤدي إليهما، كإخفاء العبادة والصدقة غيظا للشيطان، لأن ذلك يغيظ الشيطان