بمحض أرادته ومشيته، كما ذهب إليه آخرون (38). ولو لم يكن غيره من الموجودات مستندا إليه على أقوى أنحاء الاستناد، لم يكن تاما فوق التمام إذ تكون الذات التي يستند الكل إليها بأحد النحوين أكمل منه وأشرف. وإذا عرف أنه سبحانه كذلك، يعرف أنه ليس في الوجود حقيقة أحد سواه وغيره حقيقته العدم وما له من الوجود والظهور منه سبحانه، وبعد هذه المعرفة لا يختار غيره تعالى عليه، ويعلم أن العباد كلهم عجزة لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا يملكون موتا ولا حياة، فلا يتغير قلبه بمشاهدة الخلق، ولا يلتفت إليهم إلا بخطرات ضعيفة لا يشق عليه إزالتها، فيعمل عمل من لو كان على وجه الأرض وحده لكان يعمله.
وأما العلاج العملي، فهو أن يعود نفسه إخفاء العبادات وإغلاق الأبواب دونها، كما تغلق الأبواب دون الفواحش، حتى يقنع قلبه بعلم الله واطلاعه على عبادته، ولا تنازعه النفس إلى طلب علم غير الله به. وذلك وإن شق في بداية المجاهدة، لكن إذا صبر عليه مدة بالتكلف سقط عنه ثقله وهان عليه بتواصل ألطاف الله وما يمده به عبادة من حسن التوفيق والتأييد:
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (39).
فمن العبد المجاهدة ومن الله الهداية:
" إن الله لا يضيع أجر المحسنين " (40).
تتميم القالع مغارس الرياء من قلبه يقطع الطمع واستحقار مدح الناس وذمهم