الواحد ربما تترجح به كفة حسناته لو خلص، فإذا فسد بالرياء حول إلى كفة السيئات، فتترجح به ويهوي إلى النار، هذا مع أن المرائي في الدنيا متشتت الهم متفرق البال بسبب ملاحظة قلوب الناس، فإن رضاهم غاية لا تدرك، وكلما يرضى به فريق يسخط به فريق، ومن طلب رضاهم في سخط الله سخط الله عليه وأسخطهم أيضا. ثم أي غرض له في مدحهم وإيثار ذم الله لأجل مدحهم ولا يزيده مدحهم رزقا ولا إجلالا ولا ينفعه يوم فقره وفاقته وهو يوم القيامة؟! ومن كان رياؤه لأجل الطمع بما في أيدي الناس، ينبغي أن يعلم أن الله هو المسخر للقلوب بالمنع والإعطاء، وإن الخلق مضطرون فيه، ولا رازق إلا الله، ومن طمع في الخلق لم يخل عن الذل والخسة، وإن وصل إلى المراد لم يخل عن المنة والمهانة، وإذا قرر ذلك في نفسه ولم يكن منكرا لأمسه، زالت غفلته وفترت عن الرياء رغبته وأقبل على الله بقلبه، وانقطع بشراشره إلى جناب ربه. ويكفيه أن يعلم أن الناس لو علموا ما في باطنه من قصد الرياء وإظهار الإخلاص لمقتوه، وسيكشف الله عن سره حتى يبغضه إليهم، ولو أخلص لله لكشف لهم إخلاصه وحببه إليهم وسخرهم له، وأطلق ألسنتهم بمدحه وثنائه، مع أنه لا يحصل له كمال بمدحهم ولا نقصان بذمهم.
ثم من تنور قلبه بنور الإيمان وانشرح صدره باليقين والعرفان، وعرف معنى الواجب وحقيقة الممكن، وتيقن بأن الواجب - أي الحقيقة التي تقتضي بنفس ذاته التحقق والبقاء، وهم صرف الوجود - يجب أن يكون تاما فوق التمام، ولا يتصور حقيقة أتم كمالا منه، والحقيقة التي هذا شأنها يجب أن يكون ما سواها بأسره مستندا إليها وصادرا عنها على أشرف أنحاء الصدور وأقواها. وهذا النحو الأشرف الأقوى الذي لا يتصور نحوه أقوى منه في الاختراع وأدل منه على كمال عظمة الموجد وقدرته، وهو كون ما سواه سبحانه من الموجودات، إما اعتبارات وشؤونات لدرجات ذاته وإشراقات لتجليات صفاته، كما ذهب إليه قوم، أو كونها ماهيات إمكانية اختراعية علما وعينا، صادرة عنه سبحانه بوجودات خاصة متعددة ارتباطية