ويعرض عنه، وإن كان خالصا له تعالى مقصودا على قصد صحيح، لا ينبغي تركه لمجرد بعض الوساوس والخواطر الشيطانية. فإن الشيطان يدعو أولا إلى ترك العمل فإن لم يجب يدعو إلى الرياء، فإذا أيس منه يقول: هذا العمل ليس خالصا، بل هو رياء، فأي فائدة منه؟!.
ثم الأعمال إما من الطاعات اللازمة التي لا تعلق لها بالغير، كالصلاة والصوم والحج وأمثالها، أو من الطاعات المتعدية التي لها تعلق بالخلق، كالإمامة والقضاء والحكومة والإفتاء الوعظ والتذكير والتعليم والتدريس وإنفاق المال وغير ذلك.
والقسم الأول: إن دخله الرياء قبل الفعل، بأن يكون باعثه الرياء دون الخلوص والقربة، فينبغي أن يترك ولا يشرع فيه، وإن دخله بعد العقد أو معه، فلا ينبغي أن يترك، لأنه وجد له باعث ديني، وإنما طرأه باعث الرياء، فليجاهد في دفع الرياء وتحصيل الإخلاص، ويرد نفسه إليه قهرا بالمعالجات التي نذكرها. ومهما كان في مقام المجاهدة مع نفسه معاتبا لها قاهرا عليها في ميلها إلى الرياء، ووجد عن طبعه كراهية هذا الميل، فالنجاة في حقه مرجوة، ولعل الله يسامحه بعظيم رحمته. وأما إذا لم يكن في مقام المجاهدة، ولم يكن كارها مما يجد في نفسه من الميل إلى الرياء، بل أعطى زمام الاختيار إلى النفس الأمارة، وهي ترائي في الأعمال، وهو يتبعها في ذلك من غير قهر عليها وكراهية لفعلها، فلا ريب في فساد أعماله وأولوية تركها، وإن كان باعثها ابتداء محض القربة ودخلها الرياء مع العقد أو بعده.
وأما القسم الثاني: المتعلق بالخلق - أعني أمامة الصلاة والقضاء والتدريس والإفتاء والوعظ والإرشاد وأمثال ذلك - فأخطارها عظيمة، ومثوبتها جسيمة. فمن له أهلية ذلك من حيث العلم - إن كان ذا نفس قوية لا يعتني بالناس ولا تزعجها وساوس الخناس وله معرفة تامة بعظمة ربه وقدرته وسائر صفاته الكمالية، بحيث شغله ذلك عن الالتفات إلى الخلق وما في أيديهم حتى يرائي لأجلهم أو يختار رضاهم على رضا ربه - فالأولى لمثله ألا يترك هذه المناصب ليفوز بمثوبتها العظيمة. وإن كان ذا نفس