المحرمات: من الخيانة، والغصب، والرياء، والكذب، والنفاق والمداهنة، وسائر الأخلاق المهلكة، والأشغال الردية، لينتظم أمر دنياه ويتيسر له تنعمه. وما أقل لصاحب الثروة والمال ألا يصير التنعم مألوفا له، إذ متى يقدر أن يقنع بخبز الشعير ولبس الخشن وترك لذيذ الأطعمة بأسرها، فإنما ذلك شأن نادر من أولي النفوس القوية القدسية، كسليمان بن داود (ع) وأمثاله. على أن من كثر ماله كثرت حاجته إلى الناس، ومن أحتاج إلى الناس فلا بد أن ينافقهم ويسخط الله في طلب رضاهم، فإن سلم من الآفة الأولى، أعني مباشرة المحرمات، فلا يسلم من هذه أصلا.
ومن الحاجة إلى الناس تثور العداوة والصداقة، ويحصل الحقد، والحسد، والكبر، والرياء، والكذب، والغيبة، والبهتان، والنميمة، وسائر معاصي القلب واللسان، وكل ذلك يلزم من شؤم المال والحاجة إلى حفظه وإصلاحه.
وثالثها - وهو الذي لا ينفك عنه أحد من أرباب الأموال، وهو أنه يلهيه إصلاح ماله وحفظه عن ذكر الله تعالى، وكل ما يشغل العبد عن الله تعالى فهو خسران ووبال. ولذا قال روح الله (ع): " في المال ثلاث آفات، أن يأخذه من غير حله "، فقيل: إن أخذه من حله؟ قال: " يضعه في غير حقه "، فقيل: إن وضعه في حقه؟ فقال: " يشغله إصلاحه عن الله ". وهذا هو الداء العضال، إذ أصل العبادات وروحها وحقيقتها هو الذكر والفكر في جلال الله تعالى، وذلك يستدعي قلبا فارغا. وصاحب الضيعة يصبح ويمسي متفكرا في خصومة الفلاح ومحاسبته وخيانته، ومنازعة الشركاء وخصومتهم في المال والحدود، وخصومة أعوان السلطان في الخراج، وخصومة الأجراء في التقصير في العمارة وغير ذلك. وصاحب التجارة يكون متفكرا في خيانة الشركاء وانفرادهم بالربح وتقصيرهم في العمل وتضييعهم المال، ويكون غالبا في بلاد الغربة متفرق الهم محزون القلب من كساد ما يصحبه من مال التجارة. وكذلك صاحب المواشي وغيره من أرباب أصناف الأموال. وأبعدها عن كثرة الشغل النقد المكنون تحت الأرض، وصاحبه أيضا لا يزال متفكرا مترددا فيما يصرف إليه، وفي كيفية حفظه، وفي الخوف ممن يعثر عليه، وفي دفع طمع الخلق منه. وبالجملة: أودية