" ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى " (12).
ومجامع الهوى هي المذكورة في قوله تعالى:
" إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " (13).
والأعيان التي تحصل منها هذه الأمور هي المذكورة في قوله سبحانه:
" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب " (14).
فهذه أعيان الدنيا، وللعبد معها علاقتان:
(علاقة مع القلب): وهي حبه لها وحظه منها وانصراف همه إليها، حتى يصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر بها، ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلقة بالدنيا: كالرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة والحسد والحقد والغل والكبر وحب المدح والتفاخر والتكاثر. فهذه هي الدنيا الباطنة، والظاهرة هي الأعيان المذكورة.
و (علاقة مع البدن): وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان لتصلح لحظوظه وحظوظ غيره، وهذا الاشتغال عبارة عن الصناعات والحرف التي اشتغل الناس بها، بحيث أنستهم أنفسهم وخالقهم وأغفلتهم عما خلقوا لأجله ولو عرفوا سبب الحاجة إليها واقتصروا على قدر الضرورة، لم يستغرقهم اشتغال الدنيا والانهماك فيها، ولما جهلوا بالدنيا وحكمتها وحظهم منها لم يقتصروا على قدر الاحتياج، فأوقعوا أنفسهم في أشغالها، وتتابعت هذه الأشغال واتصلت بعضها ببعض، وتداعت إلى غير نهاية محدودة، فغفلوا عن مقصودها، وتاهوا في كثرة الأشغال. فإن أمور الدنيا لا يفتح منها باب إلا وتنفتح لأجله عشرة أبواب أخر، وهكذا يتداعى إلى غير حد محصور وكأنها هاوية لا نهاية لعمقها، ومن وقع في مهواة منها سقط منها إلى أخرى