كما عرفت وفرض إهمال الدليل ثانيا بل المقصود أصالة براءة الذمة عن وجوب اتيان الواجب بهذا العنوان كغيره من الشرائط و الاجزاء التي يشك في اعتبارها في الواجب لان المناط في جريان أصل البراءة هو الشك في ايجاب الشارع امرا يكون بيانه وظيفة له سواء كان الواجب نفسيا أو غيريا على ما تقرر في محله وهذا المناط محقق فيما نحن فيه لان تعلق غرض الامر في أوامره بامتثال الأوامر على نحو يكون الإطاعة والامتثال فيها مقصودة بالذات لا لأجل الوصلة إلى تحصيل الغرض امر لا طريق لنا إليه الا من قبله فالعقاب عليه من دون بيان غرضه قبيح ولا ينافي هذا ما ذكرنا سابقا من عدم امكان اخذه قيدا في الخطاب الذي دل على وجوب المأمور به إذ لا تنافى بين الامرين فعليه بيان مقصوده من امره بخطاب آخر كما هو الشأن في جميع الواجبات التعبدية التي استكشفنا شرطية الإطاعة فيها في حصول الغرض من دليل مستقل كالاجماع والضرورة توضيح المقام انه إذا امر المولى عبده بشراء اللحم فربما يتعلق غرضه بتحصيل اللحم واحضاره عنده ليصرفه في حوائجه وربما يقصد بذلك إطاعة العبد اما تمرينا أو لأغراض أخر مما في نفس المولى فإن كان من هذا القبيل يجب عليه اعلامه حتى لا يقتصر في رفع اليد عن الأوامر بحصول متعلقاتها في الخارج ولو من دون قصد الإطاعة والا يقبح عقابه لو اقتصر في رفع اليد عنها بذلك معتذرا بجهله بالمقصود والحاصل انه كما يقبح العقاب على التكاليف الا بعد بيانها كذلك يقبح العقاب على تفويت الغرض الباعث على التكليف لو كانت معرفته محتاجة إلى بيان زائد مغاير لبيان أصل التكاليف * (وتوهم) * عدم الحاجة إلى بيان زائد فيما نحن فيه بعد استقلال العقل بوجوب الإطاعة * (مدفوع) * بما عرفت من أن حكم العقل بوجوب الإطاعة للتوصل إلى حصول ذات المأمور به الموجب لارتفاع الطلب وسقوط التكليف فلا يعقل بقائه بعد حصول الواجب في الخارج بل ولا مع الشك فيه ما لم يكن أصل موضوعي يحرز به بقاء الامر إذ لا يعقل ان يحكم العقل بوجوب ايجاد شئ بقصد الامتثال ما لم يحرز كونه بالفعل مأمورا به * (ان قلت) * لا يجوز رفع اليد عن الإطاعة التي استقل العقل بوجوبها بمجرد احتمال سقوط الامر وحصول الغرض بل لا بد من القطع بالفراغ لقاعدة الشغل فما نحن فيه من قبيل الشبهات المصداقية التي يجب فيها الاحتياط * (قلت) * ان أريد بذلك اعمال القاعدة بالنسبة إلى وجوب الإطاعة الذي هو حكم عقلي فقد عرفت أن بقائه على تقدير حصول المأمور به بل ومع الشك فيه الموجب للشك في بقاء الطلب غير معقول ما لم يحرز موضوعه ولو بالأصل وان أريد اعمالها في متعلقه بدعوى أنه متى ثبت تعلق التكليف بشئ لا يجوز رفع اليد عنه ما لم يحصل القطع بحصول المكلف به على نحو تعلق به غرض الامر لان الاشتغال اليقيني يستدعى البراءة اليقينية ففيه انه لاشك ولا شبهة في سقوط التكليف وارتفاع الطلب على تقدير انحصار غرضه من أوامره فيما يكون بيانه وافيا ببيانه واحتمال تعلق غرضه بأمر يقصر عن افادته ما بينه من التكاليف المستلزم لبقاء الامر مدفوع بالأصل * (ان قلت) * مقتضى الأصل بقاء التكليف وعدم سقوط الطلب بمجرد حصول متعلقه في الخارج كيفما اتفق فاستصحاب التكليف حاكم على قاعدة البراءة * (قلت ) * الشك في بقاء التكليف مسبب عن الشك في تعلق الطلب النفس الامري والتكليف الواقعي بما يقصر عن إفادته الخطاب الشرعي وهو منفى بالأصل والقاعدة فلا يبقى معهما مجال الاستصحاب التكليف كمالا يخفى على المتأمل * (ثم) * ان في المقام توهمات اخر مقتضية لوجوب الاحتياط وكون الأصل في الواجبات التعبدية كلزوم تحصيل القطع بحصول غرض المولى اما لكون الغرض عنوانا في الواجبات أو لكون القطع بحصوله من وجوه الإطاعة وسيأتي بعض الكلام فيه وفي غيره من التوهمات التي لا اختصاص لها بالمقام بل لو تمت لعمت الأجزاء والشرائط المشكوكة مطلقا وتمام الكلام فيها موكول إلى محله والمقصد الأهم في المقام اثبات عدم الفرق بين هذا الشرط وبين غيره من الشرائط المعتبرة في الواجبات التي يرجع فيها مع الشك إلى البراءة كما تقرر في محله وسيأتي لذلك مزيد توضيح في الفروع الآتية أنشأ الله * (الأمر الثالث) * مما يستدل به للقول بان الأصل في الواجبات التعبدية الأدلة السمعية من الكتاب والسنة مثل قوله [تعالى] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وقوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقوله صلى الله عليه وآله انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرء ما نوى وقوله (ع) لا عمل الا بالنية ويرد على الجميع اجمالا انه لو كان مفادها كما تخيله المستدل للزم فيها تخصيص الأكثر المستهجن لان الواجبات التوصلية في الشرعيات أكثر من التعبديات بمراتب مع أن سياقها يأبى عن التخصيص * (و) * تفصيل الجواب اما عن اية الإطاعة فبأنها مسوقة للارشاد إلى ما يستقل به العقل وليس الطلب فيها مولويا حتى يصلح لتقييد الواجبات الواقعية بالإطاعة لان الطلب المولوي انما يتعلق بالموارد القابلة لان يتعلق بها تكليف شرعي والإطاعة ليست منها لأنه متى أوجب الشارع شيئا فقد وجبت اطاعته قهرا بحكم العقل والا لم يجب اطاعته في الامر بالإطاعة أيضا كامره بنفس ذلك الشئ وليس له الترخيص في ترك إطاعة امره بذلك الشئ مع بقاء ذلك الشئ على وجوبه لرجوعه إلى التناقض فوجوب الإطاعة وحرمة المعصية كطريقية العلم وزوجية الأربعة وغيرها من لوازم المهيات لا يتعلق بها جعل مستقل وانما تنجعل بنفسها بجعل متعلقاتها فليس امره بالإطاعة الا تأكيدا لما كان العقل حاكما به لولا هذا الامر وقد عرفت أن حكم العقل
(٩٧)