الاخلاص في العبادة وان لا يكون مشركا في عبادة ربه بان يجعل غير الله تعالى شريكا له في المعبودية وقد ورد في تفسيرها ما يدل على هذا المعنى ففي رواية جراح المدايني الواردة في تفسير الآية عن أبي عبد الله (ع) الرجل يعمل شيئا من الثياب لا يطلب به وجه الله تعالى انما يطلب تزكية النفس يشتهى ان يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه * (و) * عن علي بن إبراهيم في تفسيره قال في رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير قول الله عز وجل فن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا فقال من صلى مراءاة فهو مشرك إلى أن قال من عمل عملا مما امر الله به مراعاة الناس فهو مشرك ولا يقبل الله عمل مراء نعم ربما يقال إن المتبادر من ظاهر الآية ان يجعل غيره شريكا له في عبادة ربه فيعم ما نحن فيه * (ويؤيد) * هذا المعنى ما ورد في غير واحد من الاخبار التي يستدل بها أيضا للمقام ففي رواية حسن بن علي الوشا قال دخلت على الرضا (ع) وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة فدنوت منه لا صب عليه فأبى ذلك وقال مه يا حسن فقلت له لم تنهاني ان أصب على يديك تكره ان أوجر قال توجر أنت واوزر انا فقلت وكيف ذلك فقال اما سمعت الله عز وجل يقول فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وها انا إذا توضأ للصلاة وهي العبادة فأكره ان يشركني فيها أحد * (وعن) * إرشاد المفيد قال دخل الرضا (ع) يوما والمأمون يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء فقال لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا * (وفي) * رواية الصدوق في الفقيه والعلل كان أمير المؤمنين (ع) إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء فقيل له يا أمير المؤمنين (ع) لم لا تدعهم يصبون عليك الماء فقال لا أحب ان أشرك في صلاتي أحدا وقال الله تبارك وتعالى فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا * (وفي) * رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) عن ابائه عن علي (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله خصلتان لا أحب ان يشاركني فيه أحد وضوئي فإنه من صلاتي وصدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل فإنها تقع في يد الرحمن ولكنك خبير بان هذه الأخبار بأسرها كادت تكون صريحة في الكراهة وموردها بحسب الظاهر هو الاستعانة في مقدمات الوضوء كصب الماء على اليد وغيره وهي غير ما نحن فيه واما الآية فبعد تسليم ظهورها في النهى عن أن يشارك معه غيره في عبادة ربه مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في تفسيرها ففيها ان مفادها حينئذ النهى عن المشاركة مع الغير في عبادة الله تعالى وهذا انما يتحقق فيما لو صدر العمل من كان من الشريكين بعنوان العبادة كما لو اشتركا في بناء مسجد قربة إلى الله تعالى واما لو استقل أحدهما ببناء المسجد قربة إلى الله تعالى واعانه الاخر لكونه أجيرا له واتى بالعمل بقصد استيفاء الأجرة أو ما هو بمنزلتها لا للتقرب إلى الله تعالى فلا يصدق حينئذ انه أشرك بعبادة ربه أحدا وما نحن فيه من هذا القبيل كما هو ظاهر واما بملاحظة ما ورد في تفسيرها فقد عرفت أن الأخبار الواردة في تفسيرها متعارضة حيث إن مفاد الطائفة الأولى التي هي أصرح في كونها مسوقة لبيان تفسير الآية النهى عن أن يجعل لله تعالى شريكا في المعبودية ومفاد الأخبار الأخيرة النهى عن أن يجعل لنفسه شريكا في عبادة الله تعالى وهما معينان لا يمكن ارادتهما في عبارة واحدة لعدم الجامع بينهما مع ما عرفت في الطائفة الأخيرة من كونها محمولة على الكراهة على ما يشهد به القرائن الكثيرة المستفادة من نفس الاخبار فضلا عن الاجماع المدعى على عدم الحرمة في الاستعانة بمقدمات الوضوء ولعل الاستشهاد بالآية في هذه الأخبار المستفيضة انما هو بملاحظة ما أريد من الآية على وجه الكناية بضرب من التأويل من دون ان يكون مقصودا من اللفظ بحيث يكون اللفظ مستعملا فيه حتى يلزم محذور استعمال اللفظ في معينين فتكون الأخبار السابقة تفسيرا لما أريد منها بمدلولها اللفظي كما هو صريح موردها وهذه الأخبار إشارة إلى ما أريد منها على وجه الكناية والله العالم * (وليعلم) * ان ما ذكرناه من أن مقتضى الاجماع وظواهر الأدلة انه لا يجوز ان يتولى وضوئه غيره انما هو مع الاختيار واما مع الاضطرار فيجوز اجماعا كما عن غير واحد نقله بل وقاعدة أيضا لان الميسور لا يسقط بالمعسور والمناقشة فيها بما عرفت فيما سبق مدفوعة بما عرفت مضافا إلى امكان ان يقال إن مقتضى اطلاق أوامر الوضوء وجوب ايجاده على العاجز بالتسبيب لا لدعوى أن المراد من اللفظ ايجاد غير العاجز مباشرة والعاجز بالتسبيب حتى يكون اللفظ مستعملا في معينين بل بدعوى أن المتبادر من الامر بغسل الوجه مثلا ليس إلا وجوب ايجاد مطلق هذه الطبيعة على كل مكلف على وجه يستند صدوره إليه عرفا وهذا يختلف في العرف باختلاف الاشخاص من حيث العجز والقدرة فلاحظ وتأمل ثم اعلم أن مقتضى ما ذكرنا في مستند الحكم من القاعدة واطلاقات الأدلة على تقدير تسليمها انما هو وجوب الاستعانة والتسبيب على العاجز لا الاستنابة فيعتبر في صحة الوضوء حينئذ قصد المتوضئ لا المتولي كما عرفت فيما سبق ولو عرضه الشك في أثناء الوضوء يعتد بشكه ولا يبنى على صحته اعتمادا على أصالة الصحة في عمل الغير نعم يبنى على الصحة من حيث استحقاق الغير للأجرة لاغير كما لا يخفى وجهه هذا إذا كان الشك في الأثناء واما لو كان بعد الفراغ فلا يعتد به كما لو كان بنفسه مباشرا ووجهه ظاهر واما لو نوقش فيما ذكرناه من الأدلة ببعض المناقشات التي سبقت الإشارة إليها والى ضعفها في مطاوي الكلمات المتقدمة وانحصر
(١٩١)