ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمرهم بمخالفتها، والتوجه إلى الكعبة، ليبين من يتبع محمدا فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه إلخ (1).
ولا يخفى أن ما ذكر في هذه الرواية هو من حكم تحويل القبلة، وفوائده، لا أنه هو السبب الأول والأخير لذلك.
هذا كله على فرض صحة الرواية، وإلا فقد جاء بسند موثوق ما مفاده: أنه (ص) لم يكن يجعل الكعبة خلف ظهره في مكة، بل كان يستقبلها هي وبيت المقدس معا. ولكنه في المدينة استقبل بيت المقدس دون الكعبة حتى حول إليها (2).
وهذه الرواية لا توافق الرواية الأولى تماما، لأنه في مكة كان يستقبلهما معا، فلم يتضح موافقه من مخالفه، إلا في صورة التوجه نحو الكعبة في الجهة المخالفة لبيت المقدس.
مناقشات لابد منها:
وربما يقال: كيف يغتم " صلى الله عليه وآله وسلم " لتعيير اليهود؟
فإن وجود حكم شرعي موافق لهم، لا يوجب غمه (ص)، ولا فعالية تعييرهم إياه، إذ ما أكثر الاحكام التي هي من هذا القبيل، فلماذا اختاروا منها تعييره في موضوع القبلة فقط؟!.
ولو قبلنا: أنهم فعلوا ذلك، فإنه " صلى الله عليه وآله " إذا كان يعلم أن في هذا الحكم مصلحة، فإنه يأنس به، ويرتاح له، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولذا فهو لا يغتم لتعيير أحد.