ولكنه لا يقعد عن حربه - حين يقعد - من أجل ذلك، وإنما خوفا على نفسه، وحفاظا عليها، كما أنه لا يحاربه حين يحاربه من أجل تبدل الرؤية لديه، وإنما بوحي من تحمسه الكاذب، ونخوته الجاهلية، فأورده ذلك المهالك في الدنيا وفي الآخرة. وقد حكى الله تعالى حالة أمثاله، بأجلى بيان، وأوجز عبارة، فقال: ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم، ظلما وعلوا، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين﴾ (1).
3 - في هذه القضية أيضا دلالة واضحة على المكانة السامية التي كانت للنبي " صلى الله عليه وآله " في نفوس الناس جميعا، وعلى أنهم يرونه صادقا فيما يخبر به حين يرجعون إلى ضميرهم ووجد انهم، وإلى ما في قرارة نفوسهم من قناعة واقعية إلى حد أنهم يقسمون على صدقه فيما يخبر به، وأنه لا يكذب. ولكنهم في نفس الوقت يشعرون أنهم بحاجة إلى إظهار العناد والتكذيب لمصالح دنيوية، واعتبارات قبلية، أو غير ذلك.
رجوع طالب بن أبي طالب عن الحرب:
وخرج مع المشركين من بني هاشم: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب.
فأما طالب فخرج مكرها، فجعل يرتجز ويقول:
يا رب إما يغزون طالب * في مقنب من هذه المقانب فليكن المسلوب غير السالب * وليكن المغلوب غير الغالب فجرت بينه وبين القرشيين ملاحاة وقالوا: والله، لقد عرفنا أن هواكم مع محمد، فرجع طالب فيمن رجع إلى مكة، ولم يوجد في القتلى، ولا