ويتيقن ذلك، لا يقترب منها باختياره، ألا أن تغلبه قدرة قاهرة، أو يسيطر على عقله سلطان النوم، أو أي سلطان قاهر آخر.
إذن فالبشر العقلاء، حتى من لا يؤمن بالله منهم، وحتى الأطفال، معصومون عن شرب السم، وعن الالقاء بالنفس بالنار، وعن كل ما يدركون إدراكا قاطعا ضرره، وسوءه، إلا إذا كان ثمة قوة قاهرة تغلب إراداتهم أو تزين لهم، وتخدعهم، أو تهيمن على عقولهم وتمنع من فعاليتها، وتفقدها سيطرتها على الموقف.
عناصر لابد منها في العصمة:
وبالتأمل فيما تقدم يتضح: أن امتناع الطفل عن النار، والعقلاء عن تناول السم، يرتبط بالأمور التالية:
الأول: أن الانسان مفطور على انتقاء ما يكرس راحته وسعادته وتكامله، والابتعاد عما يوجب ضرره وبلاءه وشقاءه.
الثاني: إدراك واقع معين، ثم تقييمه على ذلك الأساس بشكل قاطع ونهائي.
الثالث: قوة العقل، وسيطرته على الموقف، وتحكمه بكل القوى الدواعي النفسية والشهوية، وقاهريته لها، وتوجيهها إلى ما فيه خير الانسان وصلاحه وراحته وسعادته.
الرابع: الاختيار والإرادة، وعدم التعرض للقهر الجسدي، الذي ينتهي إلى سلب الاختيار منه، وتعطيل إرادته.
فإذا تحققت هذه الأمور، فإن الانسان يكون معصوما عن الوقوع في ذلك الشئ الذي أدرك بشكل قاطع ضرره وباءه، ويرى نفسه ملزما بالسعي نحو ما يوجب تكامله ورقيه وتأكيد إنسانيته.