ويمكن الجواب عن ذلك: أنه يمكن أن يكون (ص) يرى: أن ذلك يهيئ الفرصة لأعداء الاسلام لفتنة المؤمنين عن دينهم، وصد غيرهم عن التوجه إليه، والدخول فيه، فهو حينئذ يغتم ويهتم لذلك. وينتظر الاذن من الله بتحويل القبلة لتفويت الفرصة على أعدائه، الذين سوف لن يدعوه وشأنه، والذين يعيشون في المتناقضات، فإذا صلى إلى قبلتهم عيروه، وإذا تحول عنها، فسيقول السفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وهذه هي طبيعة الانسان الذي لا يرى نفسه مسؤولا عن مواقفه وحركاته وكلماته، ولا ينطلق في مواقفه إلا من موقع السفه، وعدم التثبت.
البراء بن معرور لم يصل لغير الكعبة:
ويذكر هنا: أن البراء بن معرور خرج في سفر مع بعض قومه، فقال لهم: " يا هؤلاء، قد رأيت ألا أدع هذه البنية (يعني الكعبة) مني بظهر، وأن أصلي إليها " فقالوا له: والله، ما بلغنا: أن نبينا يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه.
فأصر البراء على الصلاة إلى الكعبة، فكان يصلي إليها، وهم يصلون إلى الشام، حتى قدموا مكة، فسأل النبي (ص) عن ذلك، فقال (ص): " لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها ".
فرجع البراء إلى قبلة النبي (ص)، فصلى إلى الشام، وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات.
ولما حضره الموت أوصى أن يدفن، وتستقبل به الكعبة، ففعلوا.
وكانت وفاته في صفر قبل قدوم النبي (ص) المدينة مهاجرا بشهر (1).