ولسوف يختار الله من هؤلاء الثلة أكملهم عقلا، وأفضلهم نفسا، وأجمعهم لخصال الخير والكمال، ولكن علمه تعالى بهم، واختياره لهم ليس فيه جبر لهم على أي شئ من فعل أو قول كما هو واضح وعليه، فلا يلزم من العصمة الجبر والقهر، بحيث يكون المعصوم غير قادر على فعل المعصية تكوينا، بل هي بمعني أنها لا تصدر منه، وعلى حسب التعبير العلمي: إنه لا يكون فيه مقتضى للمعصية، ولا توجد فيه علتها المؤثرة، بل لا يخطر في باله ارتكابها أصلا، فيستحيل صدورها منه بهذا المعنى ليس إلا.
وهذا كما نقول: يستحيل أن يرمي الطفل نفسه في النار فإنه ليس بمعنى أنه لا يمكنه ذلك، لان ذلك مقدور له بالبداهة، ولكن بمعنى أنه لا يفعل ذلك ولا يقدم عليه أصلا.
وكما نقول: يستحيل أن يصدر الظلم من الله، ولا نقصد: أنه لا يقدر عليه، إذ لا شك في أن الله تعالى يقدر على تعذيب أطوع الناس له.
وإنما نقصد أنه لا يفعله، لأنه ينافي حكمته، ولا ينسجم ولا يليق بشأنه وذاته تعالى شأنه.
وبعد كل ما تقدم، فإن اختيار الله لبعض عباده، وإظهار المعجزة على يده، يكشف لنا عن أكمليته وعن عصمة، إذ لا يعقل أن يختار الله لقيادة الأمة وهدايتها من تصدر منه الذنوب والمعاصي، حسبما أشرنا إليه.
أفضل الخلق محمد (ص):
ومما قدمناه نستطيع أن نفهم لماذا كان نبينا صلوات الله وسلامه عليه أفضل الخلق أجمعين، حتى الأنبياء والمرسلين، فإنه، وإن كان الكل معصومين عن الذنوب، وكلهم كان يدرك آثار الذنوب وعواقبها وآثارها، ولهم معرفة وإطلاع على جلال وعظمة وملكوت الله تعالى أكثر