اطلع إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم.
وهذا سوء فهم من أبي عبد الرحمان، حين ظن أن عليا إنما قاتل وقتل اعتمادا على أنه قد غفر له. وينبغي أن يعلم: أن معني الحديث:
لتكن أعمالكم المتقدمة ما كانت، فقد غفرت لكم.
فأما غفران ما سيأتي فلا يتضمنه ذلك، أتراه لو وقع من أهل بدر - وحاشاهم - الشرك، إذ ليسوا بمعصومين، أما كانوا يؤاخذون به؟ فكذلك المعاصي.
ثم لو قلنا: إنه يتضمن غفران ما سيأتي، فالمعنى: أن مالكم إلى الغفران.
ثم دعنا من معنى الحديث، كيف يحل لمسلم أن يظن في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فعل ما لا يجوز اعتمادا على أنه سيغفر له؟!
حوشي من هذا. وإنما قاتل بالدليل المضطر له إلى القتال، فكان على الحق. ولا يختلف العلماء: أن عليا رضي الله عنه لم يقاتل أحدا إلا والحق مع علي. كيف وقد قال رسول الله (ص): اللهم أدر الحق معه كيفما دار.
فقد غلط أبو عبد الرحمان غلطا قبيحا، حمله عليه أنه كان عثمانيا " (1) إنتهى.
عودة خيبة:
مهما يكن من أمر، فقد رجع المحاربون المشركون إلى مكة بأسوأ حال، من الحنق والغيظ، فنهاهم أبو سفيان عن النوح على قتلاهم، ومنع الشعراء من ندب القتلى، لئلا يخفف ذلك من غيظهم، ويقلل من