ولا يمكن أن نتصوره بعد تكامل تلك العناصر المتقدمة فيه، إلا أن يسير على النهج القويم، والطريق المستقيم، فاعلا لما أدرك خيره وصلاحه، تاركا لما أدرك ضرره وبلاءه، من كان، ومهما كان.
وإذا كان الناس مختلفين في درجات إدراكهم، سعة وعمقا، وفي مستويات تفكيرهم، وقوة وضعف سيطرة عقولهم على سائر القوى الباطنية الكامنة فيهم، من الشهوات والغرائز، ومختلفين من حيث نوعية المدركات أيضا - إذا كانوا كذلك - فإن من الطبيعي أن تكون درجات عصمتهم متفاوتة، ومواردها مختلفة، كل بحسب مدركاته، وقناعاته، وكفاءاته، وقواه الكامنة فيه.
لذلك تجد العلماء في الأكثر التزاما من غيرهم، بل ربما تجد من بينهم من لا تكاد تصدر منه أيه مخالفة طول حياته، وذلك لكثرة مدركاتهم، ولاختلاف نوعية، وكيفية، وعمق الادراك لديهم، بالنسبة إلى غيرهم.
بل إن الله قد أوجب على كل إنسان أن يكون معصوما، وذلك لأنه قد كلف كل البشر بالطاعات كلها، والاجتناب عن كل المعاصي، وهذا التكليف يدل على أن بوسع كل مكلف أن لا يرتكب أية معصية أبدا، لان القدرة شرط في صحة التكليف وإلا لكان عليه أن يستثني، ويقول:
اجتنبوا عن كل المعاصي إلا واحدة أو اثنتين مثلا، لأنكم لا تقدرون عليها.
وهذا الاستثناء يخرج ذلك المورد عن أن يكون معصية من الأساس.
وقد يكون أمثال سلمان الفارسي، وأبي ذر، والمقداد، وعمار، والشيخ المفيد، والصدوق مثلا معصومين عن ارتكاب أية معصية أو مخالفة عن عمد وقصد.
نعم ربما يكون الفرق بين هؤلاء، وبين النبي والامام: أن النبي والامام لا تخطر في باله المعصية أصلا، ولا يشتاق إليها، لانكشاف