يسدده من أن يزل أو أن يميل في إدراكاته وأحكامه، نتيجة لطغيان الهوى، أو تزيينات النفس لشهواتها حتى لقد قيل: العقل شرع من داخل، والشرع عقل من خارج.
ولأجل ذلك نرى القرآن يعبر عمن لا يتبع الهدى، ولا يسير على المنهاج القويم بقوله:
(أرأيت من اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلا؟ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا) (1).
وقال تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالانعام بل هم أضل، وأولئك هم الغافلون) (2) صدق الله العلي العظيم.
فهو يعتبر أن من أطاع هواه، واتبعه، ولم يهتد بهدى العقل، ولم يسمع الأوامر والزواجر الإلهية الموافقة لهدى العقل - يعتبره - كالانعام، التي تسيرها غريزتها وشهواتها، ولا عقل لها تستنير بنوره، وتهتدي بهديه، ولا تنساق وراء شرع يرشدها إلى أحكام العقل.
بل لقد اعتبره أضل من الانعام، لان الانعام إذا تصرفت على خلاف مقتضيات العقل البشري، كما لو افترست، أو خربت، أو أتلفت، فإنها لا تلام ولا تحاسب، لأنها إنما تصرفت بما يتوافق مع جبلتها وغريزتها، فطرتها، وشهوتها، لان ذلك هو الذي يسيرها، ويهيمن على سلوكها، ولا عقل لها لتهتدي بهديه، وتسترشد برشده. أما إذا تصرفت تصرفا عقلانيا