الحاجة أم الاختراع:
وبعد، فإذا كان كبار الصحابة، وابن مسعود لا يعرفون أحكام الربا، وابن عمر لا يعرف كيف يطلق امرأته، وجيش بأكمله لا يعرف أن الوضوء على من أحدث إلى آخر ما تقدم.
فإن من الطبيعي: أن يرى الناس في من يدعي أنه يحفظ ثلاثين أو أربعين حديثا، أو مئة أو مائتي حديث، أو عرف بعض الأحكام عن رسول الله (ص): أنه أعلم العلماء، وأفقه الفقهاء في عصره، أو في مصره، أو بلده. وأن يصبح هو الملاذ والمرجع والموئل لهم فيما ينوبهم من أمور دينهم. ويتلمذون عليه، ويأخذون عنه أحكامهم، وشريعة نبيهم، كما يظهر جليا من مراجعة كتب التراجم والرجال، التي تمثل التيار العام لبعض الفئات، التي كانت تنسجم مع سياسات الحكام، وترتبط بها بنحو أو بآخر.
ومن جهة أخرى، فإن هذا العالم الجليل!! إذا وجد نفسه في موقع كهذا، وواجه الواقع، واحتاج إلى المزيد مما ليس عنده منه أثارة من علم، فلسوف يبحث عما يلبي له حاجته، ويوصله إلى بغيته. وأين؟ وأنى له أن يجد ذلك إلا عند أناس، أخذ على نفسه (أو أخذ الحكام عليه وعلى الناس): أن لا يتصلوا بهم، ولا يأخذوا شيئا عنهم، وهم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة عليهم الصلاة والسلام.
فلا غرو بعد هذا إذا رأينا هذا الرجل الجليل يبادر إلى ما هو أسهل وأيسر، فيضيف من عند نفسه، وعلى حسابه الخاص ما شاءت له قريحته، وسمحت له به همته، حيث لا رقيب عليه ولا حسيب، ولا مانع من ضمير، ولا رادع من وجدان.
الفقه والفقهاء: