مع أنه لو قطع النظر عن ذلك، وقلنا بعدم معلومية المراد من الميل، وعدم تعينه، يجب الرجوع في معنى الفرسخ - الذي به فسر البريد والأميال في الأخبار - إلى العرف، فيراد به ما يطلق عليه الفرسخ عرفا، وهو موافق لاثني عشر ألف ذراع، فإنا قد سمعنا التقدير كثيرا، والتطابق بين ما يطلق عليه الفرسخ عرفا - أي المسافة المشهورة بالفرسخ - وبين هذا العدد تقريبا، ولم يوجد اختلاف أكثر مما يتحقق بواسطة تفاوت الأذرع والتقريب (1) الحاصل باعتبار تفاوت مبادئ الذراع أو يسير انحراف في الطريق حين المساحة. فلا شك في لزوم تحديد الفرسخ بذلك.
ثم إنهم حددوا الذراع بالأصابع، وهي بالشعيرات، وهي بالشعرات.
وهو - مع أنه ليس مستندا إلى دليل - لا فائدة فيه، إذ الاختلاف المتحقق من جهة اختلاف الشعيرات والشعرات والأصابع ليس بأقل من الحاصل بواسطة الأذرع، فلا يحصل بذلك تحقيق وانضباط أكثر.
فائدة: اعلم أنه لا شك في أنه لا حد حقيقيا للفرسخ لا يزيد عنه ولا ينقص، سواء يرجع فيه إلى العرف أو الأذرع، إذ إطلاق العرف لا يختلف باختلاف عشرة أذرع أو عشرين، بل بنحو من ألف ذراع في ثمانية فراسخ.
وكذا الأذرع، فإنه وإن كان المرجع في تحديد الذرع إلى مستوى الخلقة، ولكن من ضروريات الحس والعيان تفاوت أذرع أكثر الناس، ولو بنصف إصبع أو إصبع، ومن اجتماع التفاوت في أربعة فراسخ أو ثمانية ربما بلغ الاختلاف إلى نحو من ألف ذراع. ولا شك أيضا في صدق الفرسخ على كل من المختلفين.
وعلى هذا فيكفي في لزوم القصر أو جوازه تحقق الأقل، للصدق. فكل ما علم صدق ثمانية فراسخ عليه عرفا، أو صدق ستة وتسعين ألف ذراع عليه يكون محل الحكم، وكذا في الأربعة، ولو كان القدر الأقل، إذا لم يختلف العرف فيه،