قال: في المسالك بعد هذا: وإلا طولب المدعي بتحرير الدعوى فقد تكون غير مسموعة، فيلزم المشقة بإحضاره لغير حق، بخلاف الحاضر في البلد فإنه لا يحتاج في إحضاره إلى تقديم البحث، لأنه ليس في الحضور هنا مؤنة ومشقة شديدة (1)، إلى آخر ما ذكره.
ومنه يظهر وجه فرق المتأخرين بين حالتي الحضور والغيبة، بوجوب الإحضار في الأولى مطلقا ولو لم يحرر الدعوى، وعدمه في الثانية قبل تحريرها، ومحصله عدم لزوم المشقة بإحضاره في الأولى ولزومها في الثانية، وبذلك صرح أيضا جماعة. وناقشهم في ذلك بعض متأخري المتأخرين (2)، نظرا منه إلى أن في مطلق الإحضار ولو حالة الحضور مشقة، ولذلك احتمل اختصاص وجوب الإحضار مع الحضور بصورة تحرير الدعوى وسماعها. وله وجه، إلا أن الإجماع الظاهر والمحكي حتى في كلامه كفانا مؤنة البحث في ذلك، سيما مع اعتضاده بما ذكره من أن ذلك كان معمولا في الزمن السابق إلى الآن من غير إنكار.
(الخامسة): بذل (الرشوة) وأخذها (على الحاكم حرام) بالإجماع والسنة المستفيضة، المتقدم إليها وإلى جميع ما يتعلق بالمسألة الإشارة في الفصل الأول من كتاب التجارة.
بقي فيها شئ لم نشر إليه مفصلا ثمة، وهو الفرق بين الرشوة والهدية حيث تجوز فيه مطلقا أو في الجملة على تفصيل تقدم ذكره ثمة. فقيل: بأن الرشوة هي التي يشترط باذلها الحكم بغير حق والامتناع من الحكم به، والهدية هي العطية المطلقة (3). وهذا الفرق يناسب ما أطلقه الماتن في