جزما بالدلالة التصورية التي هي دلالة وضعية دون الدلالة التصديقية، فإنها مستندة إلى ظهور حال المتكلم الملتفت لا إلى الجملة نفسها.
المحاولة الثانية: أن الجمل الخبرية التامة لو كانت موضوعة للنسبة الواقعية الخارجية فلازم ذلك أن لا يكون لها مدلول نهائيا في موارد هل البسيطة، حيث لا تعقل النسبة خارجا بين وجود الشئ وماهيته، ولا سيما بين ذاته تعالى ووجوده وصفاته العليا الذاتية كقولنا (الله موجود) أو (قادر) أو (عالم) ولا في مثل قولنا (شريك الباري ممتنع) و (العنقاء ممكن) و (اجتماع النقيضين مستحيل) وهكذا، لأن ثبوت النسبة خارجا فرع ثبوت المنتسبين فيه، ومع عدم ثبوتهما لا يعقل ثبوتها، وبالتالي لا يصح استعمال الجملة في هذه الموارد، لعدم معنى لها، مع أنه لا شبهة في صحة استعمالها فيها كاستعمالها في سائر الموارد ويكون على نحو واحد، وهذا يكشف عن أن مدلول الجملة لا بد أن يكون معنى محفوظا في الموارد المذكورة أيضا، وهو ليس إلا ابراز الأمر النفساني كقصد الحكاية والاخبار عن الواقع نفيا أو اثباتا (1).
والجواب: أن هذه المحاولة أيضا مبنية على أن تكون الجملة موضوعة بإزاء النسبة الخارجية، ولكن قد مر أنها لم توضع بإزائها، وإنما وضعت بإزاء النسبة الواقعية الذهنية، وهي ثابتة في جميع الموارد المذكورة بدون استثناء، فإذن لا اشكال من هذه الناحية.
المحاولة الثالثة: أن حقيقة الوضع بناء على ما اخترناه عبارة عن التعهد والالتزام النفساني، ومقتضاها تعهد كل متكلم أنه متى ما قصد تفهيم معنى خاص أن يتكلم بلفظ مخصوص، فاللفظ مفهم ودال على أن المتكلم أراد تفهيمه