لأن الإجمال هو مقدار الواجب لا الموجب فيه.
فإن قيل: قد سماه الله تعالى حقا، وذلك لا يليق إلا بالواجب.
قلنا: قد يطلق اسم الحق على الواجب والمندوب إليه، وقد روى جابر أن رجلا قال: يا رسول الله هل علي حق في إبلي سوى الزكاة؟ فقال عليه السلام: نعم تحمل عليها وتسقي من لبنها (١).
فإن قالوا ظاهر قوله تعالى: (وآتوا حقه) يقتضي الوجوب وما ذكرتموه ليس بواجب.
قلنا: إذا سلمنا أن ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب كان لنا طريقان من الكلام:
أحدهما: أن نقول: أن ترك ظاهر من الكلام ليسلم ظاهر آخر له كترك ذلك الظاهر ليسلم هذا، وأنتم إذا حملتم الأمر على الوجوب هاهنا تركتم تعلق العطاء بوقت الحصاد، ونحن إذا حملنا الأمر في الآية على الندب يسلم لنا ظاهر تعلق العطاء بوقت الحصاد، وليس أحد الأمرين إلا كصاحبه وأنتم المستدلون بالآية فخرجت من أن تكون دليلا لكم.
والطريق الآخر: أنا لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت الحصاد وإن لم يكن مقدرا بل موكولا إلى اختيار المعطي لم نقل (٢) بعيدا من الصواب.
فإن تعلقوا بقوله تعالى: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) (٣) وأن المراد بالنفقة هاهنا الصدقة بدلالة قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) (٤) يعني لا يخرجون زكاتها.
فالجواب عن ذلك أن اسم النفقة لا يجري على الزكاة إلا مجازا، ولا يعقل