ومعاشا حتى أنه وقف قرية من قراه تصرف مواردها على قراطيس الفقهاء (١) والتلاميذ، وأنه كان يجري الجرايات والمشاهرات الكافية على تلامذته وملازمي درسه، مثل الشيخ الطوسي، فقد كان يعطيه اثني عشر دينارا في الشهر، ويعطي للقاضي عبد العزيز بن البراج ثمانية عشر دينارا وغيرهما، وذلك بفضل ما يرد عليه من دخل أملاكه الخاصة الذي قدر بأربعة وعشرين ألف دينار بالسنة (٢) ولما يمتلكه من قرى وضياع قيل إنها ثمانون قرية بين بغداد وكربلاء، يجري خلالها نهر له، غرست الأشجار الوارفة على حافتيه فتهدلت غصونها بثمارها اليانعة، فكان ذلك الانعطاف يسهل على أصحاب السفن والسابلة العابرين قطف تلك الأثمار التي أباحها المرتضى لهم (٣).
وبعد هذا فالرواية إن لم تكن موضوعة ومفتعلة من أصلها، فهي محرفة، أو مبالغ فيها على أقرب الاحتمالات، لما رأيت من اختلال أسانيدها ومتونها.
وعلى فرض القول بصحتها، فإن للشريف المرتضى مخرجا منها ومندوحة عنها، بحملها على محامل التعديل ومخارج التأويل.
أفلا يحتمل أن يكون الشريف قد رأى بثاقب رأيه وسديد اجتهاده، أن ما ألقي عليه من ضريبة لحفر النهر، إنما هو من المصالح العامة التي يتحتم على الدولة القيام بها، والإنفاق عليها؟
ولم يدر الشريف بدفعها عنه سوى دفع مظلمة أو إزالة ضرر، وكلاهما يجب أن يدفعا، كبيرين كانا أو صغيرين، وقد يكون السكوت عنهما يجر إلى مغارم، والرضا بهما يؤدي إلى مآثم، والكل محظور في الشريعة، والراضي بعمل قوم كالداخل معهم فيه.
وقد ذكر صاحب روضات الجنات عن السيد نعمة الله الجزائري ما يفيد معنى ما ذكرناه وهذه صورته: