ما أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء أيضا عن ابن عباس قال لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه إنما رآه بقلبه وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالله على الدوام بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره والرؤية لا يشترط لها شئ مخصوص عقلا ولو جرت العادة بخلقها في العين وروى بن خزيمة بإسناد قوي عن أنس قال رأى محمد ربه وعند مسلم من حديث أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال نور أني أراه ولأحمد عنه قال رأيت نورا ولابن خزيمة عنه قال رآه بقلبه ولم يره بعينه وبهذا يتبين مراد أبي ذر بذكره النور أي النور حال بين رؤيته له ببصره وقد رجح القرطبي في المفهم قول الوقف في هذه المسألة وعزاه لجماعة من المحققين وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع وغاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل قال وليست المسألة من العمليات فيكتفي فيها بالأدلة الظنية وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفي فيها إلا بالدليل القطعي وجنح ابن خزيمة في كتاب التوحيد إلى ترجيح الاثبات وأطنب في الاستدلال له بما يطول ذكره وحمل ما ورد عن ابن عباس على أن الرؤيا وقعت مرتين مرة بعينه ومرة بقلبه وفيما أوردته من ذلك مقنع وممن أثبت الرؤية لنبينا صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد فروى الخلال في كتاب السنة عن المروزي قلت لأحمد إنهم يقولون إن عائشة قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية فبأي شئ يدفع قولها قال بقول النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي قول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها وقد أنكر صاحب الهدى على من زعم أن أحمد قال رأى ربه بعيني رأسه قال وإنما قال مرة رأى محمد ربه وقال مرة بفؤاده وحكى عنه بعض المتأخرين رآه بعيني رأسه وهذا من تصرف الحاكي فإن نصوصه موجودة ثم قال ينبغي أن يعلم الفرق بين قولهم كان الاسراء مناما وبين قولهم كان بروحه دون جسده فإن بينهما فرقا فإن الذي يراه النائم قد يكون حقيقة بأن تصعد الروح مثلا إلى السماء وقد يكون من ضرب المثل أن يرى النائم ذلك وروحه لم تصعد أصلا فيحتمل من قال أسرى بروحه ولم يصعد جسده أراد أن روحه عرج بها حقيقة فصعدت ثم رجعت وجسده باق في مكانه خرقا للعادة كما أنه في تلك الليلة شق صدره والتئم وهو حي يقظان لا يجد بذلك ألما انتهى وظاهر الأخبار الواردة في الاسراء تأبى الحمل على ذلك بل أسرى بجسده وروحه وعرج بهما حقيقة في اليقظة لا مناما ولا استغراقا والله أعلم وأنكر صاحب الهدى أيضا على من زعم أن الاسراء تعدد واستند إلى استبعاد أن يتكرر قوله ففرض عليه خمسين صلاة وطلب التخفيف إلى آخر القصة فإن دعوى التعدد تستلزم أن قوله تعالى أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي أن فرضية الخمسين وقعت بعد أن وقع التخفيف ثم وقع سؤال التخفيف والاجابة إليه وأعيد أمضيت فريضتي إلى آخره انتهى وما أظن أحدا ممن قال بالتعدد يلتزم إعادة مثل ذلك يقظة بل يجوز وقوع مثل ذلك مناما ثم وجوده يقظة كما في قصة المبعث وقد تقدم تقريرها ويجوز تكرير إنشاء الرؤية ولا تبعد العادة تكرير وقوعه كاستفتاح السماء وقول كل نبي ما نسب إليه بل الذي يظن أنه تكرر مثل حديث أنس رفعه بينما أنا قاعد إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة
(٤٦٨)