يقل الله ولقد رآه نزلة أخرى فقالت أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إنما هو جبريل وأخرجه ابن مردويه من طريق أخرى عن داود بهذا الاسناد فقالت أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فقلت يا رسول الله هل رأيت ربك فقال لا إنما رأيت جبريل منهبطا نعم احتجاج عائشة بالآية المذكورة خالفها فيه ابن عباس فأخرج الترمذي من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال رأى محمد ربه قلت أليس الله يقول لا تدركه الابصار قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره وقد رأى ربه مرتين وحاصله أن المراد بالآية نفي الإحاطة به عند رؤياه لا نفي أصل رؤياه واستدل القرطبي في المفهم لان الادراك لا ينافي الرؤية بقوله تعالى حكاية عن أصحاب موسى فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا وهو استدلال عجيب لان متعلق الادراك في آية الانعام البصر فلما نفى كان ظاهره نفي الرؤية بخلاف الادراك الذي في قصة موسى ولولا وجود الاخبار بثبوت الرؤية ما ساغ العدول عن الظاهر ثم قال القرطبي الابصار في الآية جمع محلى بالألف واللام فيقبل التخصيص وقد ثبت دليل ذلك سمعا في قوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فيكون المراد الكفار بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال وإذا جازت في الآخرة جازت في الدنيا لتساوي الوقتين بالنسبة إلى المرئي انتهى وهو استدلال جيد وقال عياض رؤية الله سبحانه وتعالى جائزة عقلا وثبتت الأخبار الصحيحة المشهورة بوقوعها للمؤمنين في الآخرة وأما في الدنيا فقال مالك إنما لم ير سبحانه في الدنيا لأنه باق والباقي لا يرى بالفاني فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رأوا الباقي بالباقي قال عياض وليس في هذا الكلام استحالة الرؤية إلا من حيث القدرة فإذا قدر الله من شاء من عباده عليها لم يمتنع (قلت) ووقع في صحيح مسلم ما يؤيد هذه التفرقة في حديث مرفوع فيه واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وأخرجه ابن خزيمة أيضا من حديث أبي أمامة ومن حديث عبادة بن الصامت فإن جازت الرؤية في الدنيا عقلا فقد امتنعت سمعا لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له أن يقول إن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه وقد اختلف السلف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه فذهبت عائشة وابن مسعود إلى إنكارها واختلف عن أبي ذر وذهب جماعة إلى إثباتها وحكى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أنه حلف أن محمدا رأى ربه وأخرج ابن خزيمة عن عروة بن الزبير إثباتها وكان يشتد عليه إذا ذكر له إنكار عائشة وبه قال سائر أصحاب ابن عباس وجزم به كعب الأحبار والزهري وصاحبه معمر وآخرون وهو قول الأشعري وغالب أتباعه ثم اختلفوا هل رآه بعينه أو بقلبه وعن أحمد كالقولين (قلت) جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة فيجب حمل مطلقها على مقيدها فمن ذلك ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح وصححه الحاكم أيضا من طريق عكرمة عن ابن عباس قال أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد وأخرجه ابن خزيمة بلفظ إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة الحديث وأخرج ابن إسحاق من طريق عبد الله بن أبي سلمة أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس هل رأى محمد ربه فأرسل إليه أن نعم ومنها ما أخرجه مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس في قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى قال رأى ربه بفؤاده مرتين وله من طريق عطاء عن ابن عباس قال رآه بقلبه وأصرح من ذلك
(٤٦٧)