قولين للعلماء أشبههما بقول الشافعي الثاني ثم قال أنه الصحيح وكذا قال القرطبي اختلف في التخيير هل كان في البقاء والطلاق أو كان بين الدنيا والآخرة انتهى والذي يظهر الجمع بين القولين لان أحد الامرين ملزوم للآخر وكأنهن خيرن بين الدنيا فيطلقهن وبين الآخرة فيمسكهن وهو مقتضى سياق الآية ثم ظهر لي أن محل القولين هل فوض إليهن الطلاق أم لا ولهذا أخرج أحمد عن علي قال لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه إلا بين الدنيا والآخرة (قوله فلا عليك أن لا تعجلي) أي فلا بأس عليك في التأني وعدم العجلة حتى تشاوري أبويك (قوله حتى تستأمري أبويك) أي تطلبي منها أن يبينا لك رأيهما في ذلك ووقع في حديث جابر حتى تستشيري أبويك زاد محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشئ حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان أخرجه أحمد والطبري ويستفاد منه أن أم رومان كانت يومئذ موجودة فيرد به على من زعم أنها ماتت سنة ست من الهجرة فإن التخيير كان في سنة تسع (قوله قالت فقلت ففي أي هذا أستأمر أبوي) في رواية محمد بن عمرو فقلت فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ولا أو أمر أبوي أبا بكر وأم رومان فضحك وفي رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه عند الطبري ففرح (قوله ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت) في رواية عقيل ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة زاد ابن وهب عن يونس في روايته فلم يكن ذلك طلاقا حين قاله لهن فاخترته أخرجه الطبري وفي رواية محمد بن عمرو المذكورة ثم استقري الحجر يعني حجر أزواجه فقال إن عائشة قالت كذا فقلن ونحن نقول مثل ما قالت وقوله استقري الحجر أي تتبع والحجر بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة بضم ثم سكون والمراد مساكن أزواجه صلى الله عليه وسلم وفي حديث جابر المذكور أن عائشة لما قالت بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة قالت يا رسول الله وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت فقال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني متعنتا وإنما بعثني معلما ميسرا وفي رواية معمر عند مسلم قال معمر فأخبرني أيوب أن عائشة قالت لا تخبر نساءك أني اخترتك فقال إن الله أرسلني مبلغا ولم يرسلني متعنتا وهذا منقطع بين أيوب وعائشة ويشهد لصحته حديث جابر والله أعلم وفي الحديث ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وحلمه عنهن وصبره على ما كان يصدر منهن من إدلال وغيره (1) مما يبعثه عليهن الغيرة وفيه فضل عائشة لبداءته بها كذا قرره النووي لكن روى ابن مردويه من طريق الحسن عن عائشة أنها طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا فأمر الله نبيه أن يخير نساءه أم عند الله تردن أم الدنيا فإن ثبت هذا وكانت هي السبب في التخيير فلعل البداءة بها لذلك لكن الحسن لم يسمع من عائشة فهو ضعيف وحديث جابر في أن النسوة كن يسألنه النفقة أصح طريقا منه وإذا تقرر أن السبب لم يتحد فيها وقدمت في التخيير دل على المراد لا سيما مع تقديمه لها أيضا في البداءة بها في الدخول عليها وفيه أن صغر السن مظنة لنقص الرأي قال العلماء إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تستأمر أبويها خشية أن يحملها صغر السن على اختيار الشق الآخر لاحتمال أن لا يكون عندها من الملكة ما يدفع ذلك العارض فإذا استشارت أبويها أوضحا لها ما في ذلك من المفسدة وما في مقابله من المصلحة ولهذا لما فطنت عائشة لذلك قالت قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ووقع في رواية عمرة عن عائشة في هذه
(٤٠١)