أن يقولها فيردانه ووقع في رواية معمر فيعودان له بتلك المقالة وهي أوضح وقع عند مسلم فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويقول له تلك المقالة قال القرطبي في المفهم كذا في الأصول وعند أكثر الشيوخ والمعنى أنه عرض عليه الشهادة وكررها عليه ووقع في بعض النسخ ويعيدان له بتلك المقالة والمراد قول أبي جهل ورفيقه له ترغب عن ملة عبد المطلب (قوله آخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب) خبر مبتدأ محذوف أي هو على ملة وفي رواية معمر هو على ملة عبد المطلب وأراد بذلك نفسه ويحتمل أن يكون قال أنا فغيرها الراوي أنفة أن يحكي كلام أبي طالب استقباحا للفظ المذكور وهي من التصرفات الحسنة ووقع في رواية مجاهد قال يا ابن أخي ملة الأشياخ ووقع في حديث أبي حازم عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي والطبري قال لولا أن تعيرني قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت لأقررت بها عينك وفي رواية الشعبي عند الطبري قال لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل وضبط جزع بالجيم والزاي ولبعض رواة مسلم بالخاء المعجمة والراء (قوله وأبى أن يقول لا إله إلا الله) هو تأكيد من الراوي في نفي وقع ذلك من أبي طالب وكأنه استند في ذلك إلى عدم سماعه ذلك منه في تلك الحال وهذا القدر هو الذي يمكن اطلاعه عليه ويحتمل أن يكون أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (قوله والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) قال الزين بن المنير ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب الشرك وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينا في حديث آخر (قلت) وهي غفلة شديده منه فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد وطلبها لم ينه عنه وإنما وقع النهي عن طلب المغفرة العامة وإنما ساغ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بإبراهيم في ذلك ثم ورد نسخ ذلك كما سيأتي بيانه واضحا (قوله فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) أي ما ينبغي لهم ذلك وهو خبر بمعنى النهي هكذا وقع في هذه الرواية وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال قال النبي صلى الله عليه وسلم استغفروا إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي فقال أصحابه لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه فنزلت وهذا فيه إشكال لان وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقا وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية والأصل عدم تكرر النزول وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه فقال إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي و استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل علي ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ولم يذكر نزول الآية وفي رواية الطبري من هذا الوجه لما قدم مكة أتى رسم قبر ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت وللطبرائي من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه لما هبط من ثنية عسفان وفيه نزول الآية في ذلك فهذه طرق يعضد بعضها بعضا وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب ويؤيده
(٣٩٠)