الجنة (قوله ولا تقتلوا أولادكم) قال محمد بن إسماعيل التيمي وغيره خص القتل بالأولاد لأنه قتل وقطيعة رحم فالعناية بالنهى عنه آكد ولأنه كان شائعا فيهم وهو وأد البنات وقتل البنين خشية الاملاق أو خصهم بالذكر لانهم بصدد أن لا يدفعوا عن أنفسهم (قوله ولا تأتوا ببهتان) البهتان الكذب الذي يبهت سامعه وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لان معظم الافعال تقع بهما إذ كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي وكذا يسمون الصنائع الأيادي وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال هذا بما كسبت يداك ويحتمل ان يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحا وبعضكم يشاهد بعضا كما يقال قلت كذا بين يدي فلان قاله الخطابي وفيه نظر لذكر الأرجل وأجاب الكرماني بان المراد الأيدي وذكر الأرجل تأكيدا ومحصله أن ذكر الأرجل ان لم يكن مقتضيا فليس بمانع ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدي والأرجل القلب لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه فلذلك نسب إليه الافتراء كان المعنى لا ترموا أحدا بكذب تزورونه في أنفسكم ثم تبهتون صاحبه بألسنتكم وقال أبو محمد بن أبي جمرة يحتمل أن يكون قوله بين أيديكم أي في الحال وقوله وأرجلكم أي في المستقبل لان السعي من أفعال الأرجل وقال غيره أصل هذا كان في بيعة النساء وكنى كذلك كما قال الهروي في الغريبين عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلتقطه إلى زوجها ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أو لا والله أعلم (قوله ولا تعصوا) للإسماعيلي في باب وفود الأنصار ولا تعصوني وهو مطابق للآية والمعروف ما عرف من الشارع حسنه نهيا وأمرا (قوله في معروف) قال النوى يحتمل أن يكون المعنى ولا تعصوني ولا أحد أولي الأمر عليكم في المعروف فيكون التقييد بالمعروف متعلقا بشئ بعده وقال غيره نبه بذلك على أن طاعة المخلوق انما تجب فيما كان غير معصية لله فهي جديرة بالتوقي في معصية الله (قوله فمن وفى منكم) أي ثبت على العهد ووفى بالتخفيف وفى رواية بالتشديد وهما بمعنى (قوله فاجره على الله) أطلق هذا على سبيل التفخيم لأنه لما ان ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكر الاجر في موضع أحدهما وأفصح في رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث في الصحيحين بتعيين العوض فقال بالجنة وعبر هنا بلفظ على للمبالغة في تحقق وقوعه كالواجبات ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شئ وسيأتى في حديث معاذ في تفسير حق الله على العباد تقرير هذا فان قيل لم اقتصر على المنهيات ولم يذكر المأمورات فالجواب انه لم يهملها بل ذكرها على طريق الاجمال في قوله ولا تعصوا إذ العصيان مخالفة الامر والحكمة في التنصيص على كثير من المنهيات دون المأمورات ان الكف أيسر من انشاء الفعل لان اجتناب المفاسد مقدم على اجتلاب المصالح والتخلي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل (قوله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب) زاد احمد في روايته به (قوله فهو) أي العقاب كفارة زاد أحمد له وكذا هو للمصنف من وجه آخر في باب المشيئة من كتاب التوحيد وزاد وطهور قال النووي عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة (قلت) وهذا بناء على أن قوله من ذلك شيئا يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر وقد قيل يحتمل ان يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة ان المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى اخراجه ويؤيده رواية مسلم من طريق أبى
(٦١)