الجهاد انها كانت على عدم الفرار والثالثة بيعة النساء أي التي وقعت على نظير بيعة النساء والراجح ان التصريح بذلك وهم من بعض الرواة والله أعلم ويعكر على ذلك التصريح في رواية ابن إسحاق من طريق الصنابحي عن عبادة ان بيعة ليلة العقبة كانت على مثل بيعة النساء واتفق وقوع ذلك قبل أن تنزل الآية وانما أضيفت إلى النساء لضبطها بالقرآن ونظيره ما وقع في الصحيحين أيضا من طريق الصنابحي عن عبادة قال انى من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا الحديث فظاهر هذا اتحاد البيعتين ولكن المراد ما قررته ان قوله انى من النقباء الذين بايعوا أي ليلة العقبة على الايواء والنصر وما يتعلق بذلك ثم قال بايعناه إلى آخره أي في وقت آخر ويشير إلى هذا الاتيان بالواو العاطفة في قوله وقال بايعناه وعليك برد ما أتى من الروايات موهما لأن هذه البيعة كانت ليلة العقبة إلى هذا التأويل الذي نهجت إليه فيرتفع بذلك الاشكال ولا يبقى بين حديثي أبي هريرة وعبادة تعارض ولا وجه بعد ذلك للتوقف في كون الحدود كفارة * واعلم أن عبادة بن الصامت لم ينفرد برواية هذا المعنى بل روى ذلك علي بن أبي طالب وهو في الترمذي وصححه الحاكم وفيه من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده في الآخرة وهو عند الطبراني باسناد حسن من حديث أبي تميمة الجهيمي ولأحمد من حديث خزيمة بن ثابت باسناد حسن ولفظه من أصاب ذنبا أقيم عليه ذلك الذنب فهو كفارة له وللطبراني عن ابن عمرو مرفوعا ما عوقب رجل على ذنب الا جعله الله كفارة لما أصاب من ذلك الذنب وانما أطلت في هذا الموضع لأنني لم أر من أزال اللبس فيه على الوجه المرضى والله الهادي (قوله فعوقب به) قال ابن التين يريد بالقطع في السرقة والجلد أو الرجم في الزنا قال وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة الا ان يريد قتل النفس فكنى عنه قلت وفى رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ولكن قوله في حديث الباب فعوقب به أعم من أن تكون العقوبة حدا أو تعزيرا قال ابن التين وحكى عن القاضي إسماعيل وغيره ان قتل القاتل انما هو رادع لغيره واما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق (قلت) بل وصل إليه حق وأي حق فان المقتول ظلما تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان وغيره ان السيف محاء للخطايا وعن ابن مسعود قال إذا جاء القتل محا كل شئ رواه الطبراني وله عن الحسن بن علي نحوه وللبزار عن عائشة مرفوعا لا يمر القتل بذنب الا محاه فلولا القتل ما كفرت ذنوبه وأي حق يصل إليه أعظم من هذا ولو كان حد القتل انما شرع للردع فقط لم يشرع العفو عن القاتل وهل الخطبة في العقوبة المذكورة المصائب الدنيوية من الآلام والأسقام وغيرها فيه نظر ويدل للمنع قوله ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فان هذه المصائب لا تنافى الستر ولكن بينت الأحاديث الكثيرة ان المصائب تكفر الذنوب فيحتمل ان يراد انها تكفر ما لا حد فيه والله أعلم ويستفاد من الحديث ان إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور وقيل لا بد من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين 2 وهو قول للمعتزلة ووافقهم ابن حزم ومن المفسرين البغوي وطائفة يسيرة واستدلوا باستثناء من تاب في قوله تعالى الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم والجواب في ذلك أنه في عقوبة الدنيا ولذلك قيدت بالقدرة
(٦٤)