والنقص قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة انما عبر بالحلاوة لان الله شبه الايمان بالشجرة في قوله تعالى مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة فالكلمة هي كلمة الاخلاص والشجرة أصل الايمان وأغصانها اتباع الامر واجتناب النهى وورقها ما يهم به المؤمن من الخير وثمرها عمل الطاعات وحلاوة الثمر جنى الثمرة وغاية كماله تناهى نضج الثمرة وبه تظهر حلاوتها (قوله أحب إليه) منصوب لأنه خبر يكون قال البيضاوي المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو ايثار ما يقتضى العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله فإذا تأمل المرء أن الفاء لا يأمر ولا ينهى الا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل والعقل يقتضى رجحان جانب ذلك تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعا له ويلتذ بذلك التذاذ عقليا إذ الالتذاذ العقلي ادراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة قال وانما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الايمان لان المرء إذا تأمل ان المنعم بالذات هو الله تعالى وان لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه وان ما عداه وسايط وان الرسول هو الذي يبين له مراد ربه اقتضى ذلك ان يتوجه بكليته نحوه فلا يحب الا ما يحب ولا يحب من يحب الا من أجلة وأن يتقين ان جملة ما وعد وأوعد حق يقينا ويخيل إليه الموعود كالواقع فيحسب ان مجالس الذكر رياض الجنة وان العود إلى الكفر القاء في النار انتهى ملخصا وشاهد الحديث من القرآن قوله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم إلى أن قال أحب إليكم من الله ورسوله ثم هدد على ذلك وتوعد بقوله فتربصوا * (فائدة) * فيه إشارة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فالأول من الأول والأخير من الثاني وقال غيره محبة الله على قسمين فرض وندب فالفرض المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والانتهاء عن معاصيه والرضا بما يقدره فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى نفسه والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار منها فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية أو تستمر الغفلة فيقع وهذا الثاني يسرع إلى الاقلاع مع الندم والى الثاني يشير حديث لا يزنى الزاني وهو مؤمن والندب ان يواظب على النوافل ويتجنب الوقوع في الشبهات والمتصف عموما بذلك نادر قال وكذلك محبة الرسول على قسمين كما تقدم ويزاد أن لا يتلقى شيئا من المأمورات والمنهيات الا من مشكاته ولا يسلك الا طريقته ويرضى بما شرعه حتى لا يجد في نفسه حرجا بما قضاه ويتخلق باخلاقه في الجود والايثار والحلم والتواضع وغيرها فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الايمان وتتفاوت مراتب المؤمنين بحسب ذلك وقال الشيخ محيي الدين هذا حديث عظيم أصل من أصول الدين ومعنى حلاوة الايمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في الدين وايثار ذلك على أعراض الدنيا ومحبة العبد لله تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك الرسول وانما قال مما سواهما ولم يقل ممن ليعم من يعقل ومن لا يعقل قال وفيه دليل على أنه لا بأس بهذه التثنية واما قوله للذي خطب فقال ومن يعصمهما بئس الخطيب أنت فليس من هذا لان المراد في الخطب الايضاح واما هنا فالمراد الايجاز في اللفظ ليحفظ ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قاله في موضع آخر قال ومن يعصهما فلا يضر الا نفسه واعترض بان هذا الحديث انما ورد أيضا في حديث خطبة النكاح
(٥٧)